دهشة المتنبي على الأراضي السعودية

دهشة المتنبي على الأراضي السعودية!

دهشة المتنبي على الأراضي السعودية!

 العرب اليوم -

دهشة المتنبي على الأراضي السعودية

بقلم - تركي الدخيل

أخو همَمٍ رحّالَةٌ لا تزالُ بي نَوًى تقطع البيداءَ أو أقطعَ العُمرا

ومَن كان عزمي بين جنبيهِ حثَّهُ وصَيَّرَ طول الأرضِ في عينه شِبرا

هذا هو عزم أبي الطيب المتنبي، وسمو همته، بل هممه جمعاً، لا مفرداً، كما ذكر في شعره. وأبيات المتنبي هذه تعكس واقعه على الأرض، ويُصدقها ما رُوي عن رحلاته، إذ أُوتي جلداً على الترحال، فتأمل كيف أصبح يقيم على ظهر بعيره...

أَلِفتُ تَرَحُّلي وَجَعَلتُ أَرضي قُتودي وَالغُرَيرِيَّ الجُلالا

فَما حاوَلتُ في أَرضٍ مُقاماً وَلا أَزمَعتُ عَن أَرضٍ زَوالا

رحلات المتنبي (الرحالة) ليست عارضة، بل أصيلة، دائمة، فمن كان عنده مثل عزمه، تصبح في عينه المسافات النائية الطويلة والقفار الشاسعة البعيدة شبراً واحداً، يقيسه بكفّه إذا واسع بها ما بين أصابعه!

إن طول الأرض، كل الأرض، يصبح في عين ذي العزم شبراً، وهذا شبيه بالعزائم التي تأتي وكأنها حيكت على مقاس أهل العزم...

وَتَعظُمُ في عَينِ الصغيرِ صِغارُها وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

رحلات المتنبي مستفيضة، منتشرة، معلومة، معروفة... غير أن أشهرها، وأخطرها، رحلة باتت من أشهر الرحلات السياسية تاريخياً، وهي رحلة هروبه من مصر إلى الكوفة، فاراً من القيود التي فرضت عليه بمصر، وتحرك ليلة العيد، على حين غفلةٍ وشُغلٍ من كافور وحاشيته.

آثر شاعرنا الكبير أن يدون رحلة العمر، ويوثقها شعراً، ذاكراً المواضع التي مرّ بها، إذ عبرت الرحلة المضنية خمس دول، هي وفْقاً لوَاقِعِ جغرافية حاضرنا؛ مصر، سوريا، الأردن، السعودية، العراق. وكانت قصيدة المتنبي، ومطلعها «ألا كل ماشية الخيزلى»، هي التي سجَّل فيها وثيقة رحلة الهروب الكبير.

الدكتور عبد الرحمن الشقير، المختص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، الذي لفت نظري إلى الموضوع، قال: «إن مواضع كثيرة في السعودية سماها المتنبي، ومعظمها في منطقة عرعر، وهذا ما جعل مثقفي عرعر يحفظون القصيدة عن ظهر قلب»، مؤكداً: «إننا كلما قلنا إننا درسنا المتنبي، اكتشفنا أننا لم ندرسه كما يجب».

وأقف على عجالة مع بعض المناطق السعودية التي مرّ بها المتنبي، ففي قوله...

وَهَبَّت بِحِسمى هُبوبَ الدَبورِ مُستَقبِلاتٍ مَهَبَّ الصَبا

رَوامي الكِفافِ وَكِبدِ الوِهادِ وَجارِ البُوَيرَةِ وادِ الغَضى

• الكفاف: موضع في تبوك، جنوب بلدة ضباء الواقعة على البحر الأحمر، ويُعرف أيضاً بالكفوف.

• كبد الوهاد: أرض واسعة مرتفعة بين الجوف وعرعر.

• البويرة: جبل في منطقة تبوك، غرب وادي عفال.

• وادي الغضى: وادٍ في منطقة تبوك، يقع في آخر نقطة من حدود السعودية الشمالية.

• حسمى: سلسلة جبال شمال السعودية، تمتد من تبوك، حتى الأردن.

وَجابَت بُسَيطَةَ جَوبَ الرِداءِ بَينَ النعامِ وَبَينَ المَها

إِلى عُقدَةِ الجَوفِ حَتّى شَفَت بِماءِ الجُراوِيِّ بَعضَ الصَدى

• بسيطة: مزارع نموذجية شاسعة، في سهل منبسط، تتبع طبرجل، بتبوك.

• عقدة الجوف: وسط الجوف، وهي ما كان يطلق عليه «دومة الجندل».

• الجراوي: مورد ماء شمال غربي الجوف، يقع في طرف وادي السرحان الجنوبي.

وَلاحَ لَها صَوَرٌ وَالصباح وَلاحَ الشَغورُ لَها وَالضُحى

وَمَسّى الجُمَيعِيَّ دِئداؤُها وَغادى الأَضارِعَ ثُمَّ الدَنا

• صور: من قرى منطقة الجوف، تقع شمال شرقي سكاكا، وتُعرف أيضا بـ«صوير».

• الشغور: يُرَجَّح أنها قرية شغار، تقع جنوب شرقي الجراوي، غرب الجوف، جنوب وادي السرحان.

• الجميعي: يُظن أنها تقع شمال شرقي الجوف، من جهة العراق.

• الأضارع: جبال شهيرة بالجوف، تُطل على الجوف من غربها. جزء منها يعرف حالياً بـ«خشم الأضارع».

• الدنا: يُرَجحُ أنه وادي بدنة شمال السعودية، وهو أحد روافد وادي عرعر، شمال الجوف.

وبعد، فهذه بعض المواضع السعودية التي آنست أبا الطيب في وحشة رحلة الهروب من الفسطاط إلى الكوفة، وأدهشته، وأمتعته، وكان بلوغها سبباً للأمان، إذ لا يبلغ الأخشيدي ولا غلمانه مبلغ الوصول إليها... وأعلن المتنبي طمأنينته، بل فخره، بقوله...

لِتَعلَمَ مِصرُ وَمَن بِالعِراقِ وَمَن بِالعَواصِمِ أَنّي الفَتى

وَأَنّي وَفَيتُ وَأَنّي أَبَيتُ وَأَنّي عَتَوتُ عَلى مَن عَتا

ومع أن أبا الطيب لم يفوت الفرصة دون أن يقذع في هجاء كافور، فإنه ختم القصيدة على طريقته، عندما تنساب الحكمة بجمال ودلال من بين حروفه، فقال في بيتٍ صار مثلاً سائراً...

وَمَن جَهِلَت نَفسُهُ قَدرَهُ رَأى غَيرُهُ مِنهُ ما لا يَرى

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دهشة المتنبي على الأراضي السعودية دهشة المتنبي على الأراضي السعودية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 العرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab