كشفُ الخفاءِ في انحياز ابن جني وأبي العلاء

كشفُ الخفاءِ في انحياز ابن جني وأبي العلاء

كشفُ الخفاءِ في انحياز ابن جني وأبي العلاء

 العرب اليوم -

كشفُ الخفاءِ في انحياز ابن جني وأبي العلاء

بقلم - تركي الدخيل

«يُطرِبني الأديبُ العبقري، يتحزَّب للأديب العبقري، وعلى هذا البعد في هذا الزمان، ما أجملَ ما يبدو لنا تحزّب أبي العلاء المعري لأبي الطيب (354 هـ)، وابن جني للمُتَنبِّي...».

هكذا كان الطيِّب صالح مُباشراً، في مَيله للمتحزبين من الأدباء للأدباء، وهو ما كرَّره غير مرّة، ويبدو أنَّ أكثرَ ما يطرِب طيِّبنا الصالح، هو أنَّ التحَزُّبَ في الحالتين اللتين ذكرهما، كان لأبي الطيِّب. وهذا مذهَبُ طيِّب، لأناس طيبين. فإن سألتَ، عن موضع الطيب، قلنا إنَّه في الاسم والرسم، والمَبهَج والمنهَج، وفي أبي الطيِّب والطَيِّب، كما في أبي العلاء وأبي الفتح.

وابن جني (392 هـ)، هو أول من شرح ديوان المتنبي، في شرحين: «الفَسْر»، أي التفسير، و«الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي»، وعلاقتهما من أشهر الصِّلات بين نَحْويٍّ وشاعر، كما يقول الدكتور محمود الطنَّاحي، فقد اجتمعا معاً في بلاط سيفِ الدولة بحلب، ومجلسِ عضد الدولة بشيراز، وكانا يتبادلان الإِعجاب، ويتقارضان الثناءَ، ويقول المتنبي عن ابن جني: «هذا رجلٌ لا يعرف قدرَه كثيرٌ من الناس»، وإذا سُئل عن معنى قاله، أو توجيهِ إعرابٍ حصل فيه إغرابٌ دلَّ عليه، قال: «عليكم بالشيخ الأعور ابن جني فسلوه، فإنَّه يقول ما أردت وما لم أُرد».

ويُجِلُّ ابنُ جني المتنبي، ويثني عليه ويستشهد بشعره، متجاوزاً مُتَشدِّدي النحاة، فيقول عندما استشهد بشعر المتنبي: «ولا تستنكر ذِكرَ هذا الرجل -وإن كان مُولَّداً- في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه ولطف متسربه، فإنَّ المعاني يتناهبُها المولَّدون كما يتناهبها المتقدمون».

وحين ماتَ المتنبي رثاه ابن جني بقصيدة أولها:

غاضَ القريضُ وأَذْوَت نضرةُ الأدبِ وصوَّحتْ بعد رِيٍّ دوحةُ الكتبِ

وانظر ما أجمل ما كان الطيِّب صالح يعني، في تعليق أبي الفتح على قول المتنبي:

نَطَقَتْ بِسُؤْدَدِكَ الحَمَامُ تَغَنِّياً وبِمَا تُجَشِّمُهَا الجِيَادُ صَهِيلَا

مَا كُلُّ مَن طَلَبَ المَعَالِي نَافِذاً فِيهَا ولا كُلُّ الرِّجَالِ فُحُولَا

إذ قال ابن جني: «أَشْهَدُ لَو أنَّهُ خَرَسَ بَعْدَ هَذَينِ البَيتَينِ؛ لَكَانَ أَشْعَرَ النَّاسِ، والسَّلامُ».

وفي قول أبي الطيب:

وكَمْ مِن عَائِبٍ قَولاً صَحِيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ

ولَكِنْ تَأْخُذُ الآذَانُ مِنهُ ع َلَى قَدْرِ القَرَائِحِ والعُلُومِ

قال ابن جني: «هذا كلام شريف، لا يصدر إلاّ عن فضل باهر».

وعلّق على بيت المتنبي، القائل:

لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى حتى يراقَ على جوانبِه الدم

بقوله: «أشهد بالله لو لم يقل غير هذا البيت، لوجب أن يتقدَّم كثيراً من المُحدَثِين».

وفي بيت أبي الطيب:

نَهَبْتَ مِنَ الأعمَارِ مَا لَو حَويتَهُ لَهُنِّئَتِ الدُّنيَا بِأَنَّكَ خَالِدُ

قال أبو الفتح ابن جني: «لو لم يمدحه إلاّ بهذا البيت وحده لكان قد أبقَى له ما لا يخلقه الزّمان، وهذا هو المدح الموجّه؛ لأنَّه بنَى البيتَ على أنَّ مدحه باستباحة الأعمار، ثم تلقّاه في آخره بذكر سرور الدنيا ببقائه واتّصال أيّامه».

أمَّا أبو العَلاء المَعَرِّي، فكان إذا ذَكَرَ الشُّعراءَ يقولُ: قاَل أبو نُوَاس كذا، قالَ البُحْتُريُّ كذا، قالَ أبو تَمَّام كذا، فإذا ذَكَرَ المُتَنبِّي قالَ: قالَ الشَّاعرُ كذا؛ تعظيماً له. ويقولُ: «ليس في شِعْره (المُتَنبِّي) لفظةٌ يُمْكِنُ أن يُغَرَّمَ عنها مَا هو في معنَاها».

واشتُهِرَ أنَّ المَعَرِّيُّ، الذي كان ضريراً، يقول مُعتَزّاً: إيَّايَ عَنَى بقوله:

أنا الّذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أَدَبي وأَسْمَعَتْ كَلِمَاتي مَنْ بِهِ صَمَمُ

وقال أبو العلاء في قول أبي الطيب:

إلف هذا الهواء أوقع في الأن‍ ... فس أنّ الحمام مرّ المذاق

والأسى قبل فرقة الرّوح عجز ... والأسى لا يكون بعد الفراق

«هذان البيتان يفضلان كتاباً من كتب الفلاسفة؛ لأنَّهما متناهيان في الصّدق وحسن النّظام، ولو لم يقل شاعرهما سواهما لكان فيهما جمال وشرف».

وقال المعري في مرثية المتنبي، التي رثا بها أختَ سيف الدولة، وأوّلها:

إن يكن صبرُ ذي الرّزيّة فضلاً

«لو لم يكن للمتنبّي غير هذه القصيدة، في سيف الدولة، لكان ذلك كثيراً، وأين منها قصيدة البحتري التي أوّلها:

إنّ سير الخليط حين استقلّا».

باختصار؛ إنَّه الانحياز إلى الإبداع... أقصد إلى المتنبي!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كشفُ الخفاءِ في انحياز ابن جني وأبي العلاء كشفُ الخفاءِ في انحياز ابن جني وأبي العلاء



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab