باكستان والدعايات التركية

باكستان والدعايات التركية

باكستان والدعايات التركية

 العرب اليوم -

باكستان والدعايات التركية

بقلم - أمل عبد العزيز الهزاني

آمنت أنقرة بفشل استراتيجياتها مع أوروبا التي تستعد لفرض عقوبات عليها بسبب سلوكها الاستعدائي، وبفشلها مع المنطقة العربية التي همشتها بسبب سلوكها الاستعلائي، ومحاولة زج نفسها في ملفات عربية حساسة. ولأن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، رجل حالم، خرج من دائرة الواقع، تراه يبحث في كل الاتجاهات عن بدائل من الحلفاء، ومزيد من العلاقات التي قد يكون لها ثمن لا تستطيع تسديده في المستقبل، مثلما تفعل الآن في جنوب وسط آسيا مع القارة الهندية.

أهمية القضية لإردوغان ليست كما يحاول أن يبديها، بدعم المسلمين في تلك المناطق، بقدر ما هو تسويق لحلمه الشخصي حول قيادة العالم الإسلامي بالدرجة الأولى، إضافة إلى حرصه على أن تكون تركيا جزءاً من طريق الحرير الجديد، الذي يبدأ من العملاق الصين، ويمر عبر باكستان وإيران ثم تركيا إلى أوروبا، ومنافع لا حصر لها من مشروعات تتخذ هذه الدول محطات توقف.

تركيا اختارت النفاذ إلى آسيا من خلال باكستان، حيث تتوفر فيها كل مقومات التدخل؛ كونها بلداً مسلماً، ولها قضية عالقة، وهي كشمير. أي أنها بلد لديه نزاع، مثلما الوضع في سوريا وليبيا والعراق واليونان. النزاعات مدخل سهل، لأن تركيا تجيد فن الاصطفاف، وارتداء وشاح الدفاع لكسب موطئ قدم لها. هذا ما يفسر تطور العلاقات الباكستانية - التركية في السنوات الأخيرة، اقتصادياً وعسكرياً. كما أن باكستان دولة مهمة للغرب في ملف مكافحة الإرهاب، والعلاقة مع أفغانستان، إضافة لكونها قوة نووية إسلامية وحيدة. لكنها من جهة أخرى، تعاني إسلام آباد من وضع اقتصادي ضعيف نتيجة شح الموارد، ولديها ديون مستحقة للبنك الدولي، وهي تحاول الآن الاستعانة بالصين لإقراضها، رغم أن الدول العربية المسلمة كانت دائماً هي الداعم الاقتصادي لها. إردوغان لم يتعامل على المستوى الحكومي فقط، بل بدأ بالشارع الباكستاني، بالقوة الناعمة من خلال مسلسل «أرطغرل» الذي تابعه أكثر من 50 مليون باكستاني، متصورين أن أحداث المسلسل هي الوجه المثالي للقيادة الإسلامية التي يتوق لها كل مسلم. دغدغة مشاعر المسلمين بالدراما المتعلقة بزمان القوة العثمانية ليمنيهم بسراب عودة ذاك الزمان. واجتهد إردوغان أكثر، من خلال تقديم منح تعليمية حتى لمسلمي الهند ليتحولوا في توجهاتهم السياسية داخل تركيا إلى التصميم الذي يخدمه.

معضلة باكستان أنها تختزل مشكلاتها في كشمير، وترى العالم وتقيم علاقاتها مع العالم من هذه النقطة. القضية مهمة، لكن حلها في المحاكم الدولية وليس دبلوماسياً، لأن الهند، الخصم اللدود، لديها علاقات قوية وتزداد قوة مع دول إسلامية عربية، يأتي على رأسها المملكة العربية السعودية. الرياض مثلاً لم تجعل حرب اليمن ميزان قياس لتحالفاتها الدولية، لأن دبلوماسيتها بعيدة النظر.

إردوغان يحاول مع لعبة الوقت والاتفاقيات أن يوهم إسلام آباد أنها مضطرة للاختيار بين السعودية وبينها، واضعاً أمام باكستان تصريحاته النارية حول تأييده لها حول قضية كشمير، الوتر الحساس، حتى أن رئيس الوزراء الباكستاني رد له الجميل بإطلاق تصريحات مباشرة حول تأييده لتركيا في تحركاتها بشرق المتوسط وضد اليونان، ودعمها سياسياً ضد أرمينيا وشمال سوريا. وصل الأمر بإردوغان أن وعد بدعم قضية كشمير عسكرياً بإرسال مرتزقة من سوريا إليها، كما فعل في إقليم ناغورني قره باخ، وليبيا. هذا المشهد المعقد يوضح كيف صنع هذا الرجل شبكة من العداوات لتركيا في كل اتجاه، متناسياً أن الهند ليست قوة اقتصادية كبرى فحسب، بل عسكرياً أيضاً. نيودلهي ليست الوطية ولا عفرين، واستمرار استفزازها قد يصل لخط اللارجعة، وإن كنت لا أرجح أن تجازف تركيا بالدخول في مواجهة مماثلة، لأن تدخلاتها العسكرية عادة ما تكون في المناطق الرخوة، والهند لاعب مهم في آسيا، وعلاقاتها مع الدول العربية الكبرى وأوروبا والولايات المتحدة تعطيها قوة سياسية معززة.

ما الخيارات أمام باكستان؟ هل تسلم لتركيا، حتى وإن كان الثمن خسارة دولة مثل السعودية؟ هذه مجازفة كبيرة لمن يقرأ المشهد في الشرق الأوسط خلال العقد المنصرم. العلاقة السعودية الباكستانية عميقة، بحكم قيادة المملكة للعالم الإسلامي إضافة إلى أنها بلاد الحرمين، والتعاون العسكري بين البلدين منذ عقود، وباكستان مشاركة في التحالف العسكري الإسلامي، والتعاون الاستخباراتي كبير في ملف مكافحة الإرهاب. هذه العلاقة استراتيجية ليست آنية، وعلى المدى المتوسط والبعيد، ستدرك إسلام آباد أن الدعايات التركية ستورطها في مواجهات تعتقد أنها ستنجح مثلما نجح «أرطغرل» في زماناته. الظرف مختلف، التعاطي مع الواقع السياسي والجيوسياسي هو ما يحدد مصائر العلاقات والتحالفات وليست الدراما الدعائية. كشمير قضية مهمة لكل الدول الإسلامية، لكن جعلها معياراً للعلاقات مع الدول هو تحجيم لشأن باكستان، وإضرار بمصالحها الاستراتيجية.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باكستان والدعايات التركية باكستان والدعايات التركية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab