بقلم:أمل عبد العزيز الهزاني
كان المنتظر أن نسمع انشقاقات في «الحرس الثوري» الإيراني أو ميليشيا الباسيج، على خلفية المظاهرات المشتعلة في إيران منذ ثلاثة أشهر، وهي الأطول في تاريخ ما بعد الخميني. قد تحصل هذه الانشقاقات في مراحل متأخرة حينما يحين وقت القفز من القارب. لكن الوضع في إيران والشبكة الأمنية المحيطة بالنظام لحمايته، تختلف عن الجيوش النظامية. «الحرس الثوري» شركة تستمد ثقلها من موقعها الاقتصادي، فهي مبنية على المرابحة والتجارة حتى عبر البحار، وليست قوة عسكرية تدعمها الحكومة من ميزانيتها. هذا يعطي انطباعاً بأن كل مَن يعمل في هذه الشركة وأفرعها وكل تشكيلات المرتزقة التابعة لها منتفعون منها مالياً، مما يفسر شدة تمسكهم بالنظام وشراستهم في قمع المعارضين.
لكن ما يحصل حالياً هو انشقاقات لم تكن متوقعة، من داخل بيت المرشد نفسه، من أسرته. شقيقته بدري خامنئي وزوجها المتوفى قبل شهر، لم يكونا على ودٍّ مع سياسة خامنئي، لكن الشقيقة بدري خامنئي رفعت صوتها مؤخراً وتبرّأت من شقيقها بعد أن اعتقلوا ابنتها فريدة طهراني وصدر حكم ضدها بالسجن 15 عاماً، وعبّرت الأم عن مشاركتها التعاطف مع الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن خلال العقود الماضية بسبب استبداد النظام. الخطر لم يكن من الوالدين بل من ابنتهما؛ واحدة من الجيل الجديد، مهندسة، وناشطة حقوقية، تعني لها حرية الرأي والعدالة الاجتماعية معنى يختلف عن جيل والديها. الشباب يمتلكون طاقة الرفض، والمجابهة، والتحدي، والإصرار. هذا الشغف منطفئ نسبياً حتى لدى معارضي نظام خامنئي من جيله، المعارضين الصامتين. وهؤلاء متعددو الأطياف، ما بين معارض لخامنئي لكنه مؤمن بعقيدة الخميني، ويرى أن مَن يحكمون إيران اليوم حادوا عن الطريق الصحيح الذي رسمه الخميني، ففشلوا. ومنهم مَن آمن بأن الزمن تغير، وأن الخميني رغم مكانته الدينية لديهم لا تتناسب قناعاته القديمة مع الوقت الراهن. في كل الأحوال، هذا مؤشر سلبي ليس في صالح خامنئي، لأنه مهما تعددت أطياف المعارضين فهي في المحصلة ترفضه وترفض سياسته. هذه ليست المرة الأولى، إذ سبق لابنة الرئيس السابق فائزة هاشمي رفسنجاني أن اعتقلت بتهمة التحريض على الشغب وعلى النظام، ومع أن رفسنجاني من رموز النظام لكن تأثيره وتأثير ابنته لا يُقارنان بما يحصل مع أقارب خامنئي اليوم.
يتابع النظام زعزعة مكانته أمام الرأي العام باعتقال وإعدام شخصيات فنية ورياضية لها جماهيرية واسعة. تخيلوا مثلاً لو أن حكومة الأوروغواي أعدمت اللاعب سواريز، أو اعتقلت الحكومة البريطانية المغنية أديل، لأنهما ضد نظام بلديهما. هذا تهور يؤلب الشباب ويملأهم غضباً فوق غضبهم من تردي أحوالهم الاقتصادية وخوفهم من مستقبل مظلم. الشخصيات الرياضية والفنية في كل مجتمع، لها تأثير خطير على الشباب، ومن التهور اعتبارهم شخصيات معارضة عادية من ضمن معارضي الشارع.
لكن يظل السؤال الكبير حول مصير النظام؛ هل مطالب المعارضين واحدة؟ المطالبات تتأرجح بين رموز من الداخل تدعو إلى إصلاح النظام، وتعتقد أن هذا الأمر لا يمكن حصوله طالما كان خامنئي على قيد الحياة. ومطالبات الشارع التي تنادي بحتمية إزاحة النظام كاملاً، بل ومنهم من يستذكر مآثر النظام الملكي ويطالب بعودته. ما بين إصلاح النظام وإسقاطه فارق كبير. الإصلاح يعني بقاء المبادئ التي شرعها الخميني لكن بآليات تنفيذية مختلفة، تراعي الجانب الحقوقي، خاصة ما يتعلق بالمرأة والحريات. بمعنى، الإبقاء صورياً على إرث الخميني لكن بصورة حديثة تلبي نسبياً احتياجات الشارع وتضمن الاحتفاظ بهدوئه. هذا الاتجاه لن يعود بالضرر على هيكل النظام ولا مصالح «الحرس الثوري»، لكنه قطعاً يأكل من هيبته. إسقاط النظام يعني إزالة كاملة ليس لخامنئي فقط بل نسف أسسه، مما يعني تغيير الدستور والنظم السياسية والاجتماعية والقضائية. في هذه الحالة إما أن يكون البديل جاهزاً وإما أن تعمّ الفوضى، والأغلب أنها الفوضى. لكن ميزة الإصرار على إسقاط النظام أنها مطلب مرتفع السقف قد يدفع بالحل الأول، ويجبر رموز النظام على الإصلاح حلاً مقبولاً للجميع. هل سيقبل خامنئي ومؤسسات نظامه ورجاله المتدينون المتشددون الخضوع للشارع وتغيير سلوكهم؟
منذ عام 1979 تأسست ثقافة التشدد والقمع، أكثر من أربعة عقود تشرب جيلها هذه الثقافة وأصبحت جزءاً من هويتهم، وتفكيرهم، وكبريائهم، وليس من السهل الرضوخ للتغيير. لكن لا أحد يعلم ما ستلده الأيام، قد تضع الأقدار خيارات قليلة أمام النظام، يضطر لاختيار النجاة فوق أي اعتبارات أخرى.