بقلم - سمير عطا الله
ظَلمَ الأستاذ هاشم صالح نَفسَهُ وطَلَمَهُ الآخرون بأن وضِعَ في مربَّع ثقافي واحد كونَهُ الرجل الذي نَقَلَ إلى العربية أعمال المفكِّر محمد أركون. وظُلم أكثر عندما اعتُبر مجرّد معرِّب ينقلُ الأعمال الفرنسية الأخرى. علماً أن هذا كله ليس بالقليل، لا في عالم الثقافة ولا في عالم النشر. أما «النقص» الآخر عند هاشم صالح، فإنّه كمثقف كبير، لم يظهر أنّه اهتم بالآداب الأخرى أو اطّلع عليها، مع العلم طبعاً أيضاً أن الاختصاص ليس أقلّ أهمية من التوسّع. لذلك؛ كان لكتابه «العرب بين الأنوار والظلمات: محطات وإضاءات» (دار المدى) أهمية خاصة، وهو يندرجُ في سلسلة أعماله القائمة جميعاً تحت مظلة واحدة هي التنوير؛ إذ يبدو ذلك واضحاً في أسماء المفكّرين الذين تأثر بهم.
يدرس كتاب هاشم صالح معركة الأنوار ضد الظلمات، إما من خلال التراث العربي الإسلامي نفسه، وإما من خلال التراث الأوروبي الحديث. هي مسافة التفاوت التاريخي بين العرب والغرب. هم خاضوا المعركة ضد ظلاميتهم منذ القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر، على يد إرنست رينان وفيكتور هوغو، وغيرهما. والمعرّي مات عام 1057، أي قبل ألف سنة تقريباً. لم يظهر مفكّر كبير بعده إلا مؤخراً في القرن التاسع عشر، أو العشرين (طه حسين مثلاً).
كل رواد النهضة العربية مرّوا من أوروبا: رفاعة الطهطاوي، أحمد لطفي، السيد طه حسين، ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران، ومحمد مندور، وعشرات غيرهم. فالعرب في حاجة إلى المطالعة وتوسيع الآفاق المعرفية. ينبغي أن يخرجوا من أنفسهم قليلاً، من انغلاقاتهم وتحجراتهم المزمنة. فكل من لا يتقن لغة أجنبية حيّة، كالإنجليزية أو الفرنسية، يُعدّ أميّاً من الناحية الثقافية.
يستغرب هاشم صالح سيطرة الكتب الظلامية على برامجنا التعليمية سيطرة شبه كاملة في بعض البلدان. يقرّ الكاتب أنه لولا خروجه من سوريا والعالم العربي كله في اللحظة المناسبة «لكنت قد انتهيت». كان عليه أن يبتعد كي يقترب. «لم أفهم معنى الدراسة التاريخية النقدية للتراث الإسلامي إلا بعد أن خرجت إلى فرنسا».
نحن كعرب لسنا استثناء، ولا استعصاء على الجنس البشري. هذه هي مسيرة التاريخ البشري. بدأت عاصفة التاريخ العربي، زوابع والأعاصير، ولن تنتهي عما قريب. فهناك احتقانات تاريخية ضخمة متراكمة على مدار ألف سنة، وليس من السهل تجاوزها. العقبة التراثية الكأداء كانت أكبر منا جميعاً. لقد ابتدأت تصفية الحسابات التاريخية للعرب مع أنفسهم. فلا تسامح من دون تنوير، ولا تنوير من دون تسامح. لم نشهد بعد حركة تنويرية كما حدث في أوروبا. قال فولتير «قد أختلف معك في الرأي، ولكني مستعد لأن أضحي بحياتي لكي تستطيع التعبير عن رأيك».
إلى اللقاء...