بقلم - سمير عطا الله
العام 1968، كان التلفزيون ما زال بالأبيض والأسود، والبث المباشر لم يخطر لأحد. ولما حان مساء ذلك اليوم في لوس أنجيلس، شاهد العالم ما حدث عند الظهر في المدينة: السيناتور روبرت كيندي يسقط وسط الازدحام الانتخابي، من دون أن يظهر وجه القاتل.
لكن الشرطة بحثت في الصور، واستمعت إلى الشهود، وأطلقت المخبرين السريين، فالمسألة تبدو مثل فيلم سينمائي خيالي لا يصدق: شقيق الرئيس جون كيندي الذي اغتيل في تكساس يُقتل هو أيضاً في كاليفورنيا، والعالم مذهول أمام اللعنة التي تلاحق أشهر عائلة في أميركا.
في سرعة تم اعتقال المشتبه به، شاب فلسطيني يُدعى سرحان سرحان. حُكم سرحان بالسجن المؤبد مع المنع من العفو، وأبلغ المحكمة أنه ارتكب جريمته بسبب دعم كيندي لإسرائيل. وللمرة الأولى منذ 1968، أعلنت دائرة السجون الاتحادية أنها اتخذت قراراً بالإفراج عن سرحان، وحولته إلى الدوائر المختصة.
طوال 53 عاماً، رفض القضاء الإصغاء إلى المناشدات بإطلاق سرحان بعد مرور ربع قرن على اعتقاله. وقاد اثنان من أشقائه (توفيا) حملة في العالم العربي لإخراجه من السجن. وأدلى سرحان نفسه بسلسلة من المقابلات الغاضبة لم تؤدِ إلى شيء. وتدخل بعضهم لدى السيناتور إدوارد كيندي، الشقيق الأصغر للقتيل، كي يطلب له الرحمة والعفو، لكنه رفض. وتحول ذلك الرفض الجماعي إلى سابقة في تاريخ القضاء الأميركي. وبعد سنوات، نسي العالم أمر سرحان، وصار يلقب بـ«الإرهابي المنسي». وكما صدر مع اغتيال جون كيندي، ولكن بنسبة أقل، راحت الكتب تصدر، وفي كل منها نظرية مختلفة، كان آخرها قبل عامين، وفيه قاتل آخر، ويكاد سرحان لا يظهر في السرد.
إحدى أغرب الروايات وضعها الكاتب بيتر إيفانز (أشرت إليه يومها في هذه الزاوية)، ويقول فيها إن سرحان قتل كيندي لحساب الملياردير اليوناني أرسطو أوناسيس، زوج جاكلين كيندي، أرملة الرئيس. ويقول الكاتب إن روبرت أحب جاكلين وأحبته، لذا أراد الثأر منه. ووضع للكتاب عنوان «انتقام». لم يأخذ الكتاب المثير شهرة كبرى أو رواجاً، وانضم إلى كتب النسيان، فيما سرحان في السجن إلى اليوم، حيث بلغ 77 عاماً.