بقلم:سمير عطا الله
مرَّ بنا «يوم اللغة العربية» مثل سائر أيام العرب في هذه الأيام: بلا أمس يُذكَر، أو غد يُنتظر. وأكثر ما تذكرت ذلك النهار قصيدة سعيد عقل «مرّ بي يا واعدا وعدا.... مثلما النسمة من بردى». ولماذا شاعر «اللغا اللبنانيي» في يوم اللغة الأم؟ لأن الرجل الذي كنا نظنه مخبولاً في دعوته، قد هَزَمَنا بعد وفاته، بعدما أضحكَنا في حياته.
لماذا سعيد عقل دون سواه؟ لأن الذين لجأوا إلى العامية كانوا ضعفاء، أو عَجَزَة، في الفصحى، أما هو فكان سيداً من ساداتها، وضلعاً من أضلاعها. وما كتبه من شعر «باللغا اللبنانيي» لا يقارن بشيء من قصيده الجميل. ورأى البعض في دعوته سوء نية معلَناً حيال العروبة من خلال الخبث اللغوي المضمَر.
عندما توفي عن 104 سنوات، كانت الفصحى لا تزال في صمودها. لكن ما لبثت أن تخلفت وراء العامية في جميع البلدان. وصار بعض الأخبار، مثل كل الإعلانات، يُقرأ بالعامية المحلية. ومَن لم يفهم معنى «كيفاش» و«ديالي» و«شنو تديروا» عليه الاتصال بصديق.
كنت في أحد مطاعم الكويت قبل سنوات، عندما وُزّعت علينا مجلة بالعامية. أيُّ بديل بالفصحى لها كان بسيطاً وسهلاً ومفهوماً. لماذا النزوع إلى لغة غير ضرورية في نصٍّ مكتوب؟ لم تفترِ الفصحى يوماً على لغة الناس. لم تهجر أحمد رامي، ومرسي جميل عزيز، وبيرم التونسي، وروائع ميشال طراد. تلك «لغة» لها جمالها وروعتها، ولكن هل من الضروري أن يقرأ الناس على الطرقات «شرِّج موبايلك» أو «لحِّق حالك يا حبوب. فرشاية سنانك بارودة (بندقية) ضد السوس».
كان الناس يضحكون من غلاة المجامع اللغوية. وأحياناً كان هناك حقاً ما يُضحِك. لكنَّ المجددين مثل الراحل فاروق شوشة (مجمع مصر) عملوا على التقريب بين اللغتين، وعلى إغناء الفصحى بكلمات وتعابير جديدة مبسطة، خوفاً من الاستمرار في التعامل مع اللغة كأنها أحاجٍ لا حلول لها.
لا يعني ذلك اللجوء إلى «تسوية» باهتة، ولكن الإبقاء على الأصول قبل أن تختفي في «اللغا العربية».