بقلم - سمير عطا الله
لم تُكتب قصة الأخوين الرحباني بعد. ويخيل إليّ أنها لن تُكتب ذات يوم؛ إلا حكايات صغيرة، من هنا وهناك. والسبب أن عاصي ومنصور اكتفيا مما روي من السيرة بما يروى. وتركا الأسرار لمن لا تبوح بها؛ فيروز.
وقبل ثلاث سنوات سمعت أن فيروز قررت أن تحكي. وأن خيارها قد وقع على خالدة سعيد، عميدة النقاد. وعندما التقيت زوجها؛ أدونيس، سألته هل يعتقد أن خالدة سوف تتمكن من إخراج أبي الهول من فيروز، فقال إن هذا ما هو حاصل حتى الآن، على ما يبدو. وبعد فترة التقيته وسألته: ما أخبار أبي الهول؟ فقال: عاد إلى صمته.
كتاب «عن جبال في الغيم»؛ للأستاذ أسعد قطان، يحقق نصراً واحداً بين الذين دخلوا في عمق السيرة الرحبانية. فقد كان الأخوان يرفضان تماماً الإفصاح عمن كتب ومن لحن. واستطاع قطان الوصول إلى ذلك في عدد قليل جداً من الأغاني. وكنت قد حاولت عبر السنين أن أعرف شيئاً عن ذلك من منصور، خصوصاً بعد وفاة عاصي. وكان الجواب واحداً على الدوام: عاصي وأنا.
وفي قلب فيروز مرارة من هذه المسألة: من هما الأخوان وشِعرهما وموسيقاهما من دون صوتها؟ وقالت لي مرة إن عاصي ومنصور ألحقا بها ظلماً كبيراً عندما أعطيا المجد للتأليف والتلحين، ولم يبق لها من حقوق سوى أنهما صنعاها. وتقول فيروز: من في الدنيا يعرف من المؤلف والملحن؟ جميع الناس تعرف المغني.
الموسيقار محمد عبد الوهاب كان يقول إن الأكثر أهمية بين الثلاثة هو الملحن، وربما في ذلك شيء من دهائه. فقد تخطاه كثيرون في الغناء، لكنه تساوى مع صوت «أم كلثوم» في «انت عمري». وقد شاخ صوته لكن ألحانه لم تتأثر. (الدار العربية للعلوم ناشرون) الأفضلية للصوت. ويعطي مثالاً على ذلك يوم وزع الرحابنة موسيقى لحنه الشهير «يا جارة الوادي». والحقيقة أن الذي وزع ذلك اللحن كان العبقري الفلسطيني صبري الشريف. وكان الشريف العمود الرابع في ذلك الهرم الفني الذي غيّر تاريخ الموسيقى والغناء في الشرق. وإذا كان لي من رأي أو موقف، فأنا عندما أسمع فيروز، يخيل إليّ أنها الشعر والموسيقى أيضاً.
إلى اللقاء...