بقلم: سمير عطا الله
بعض الأشياء لا نهاية لها. خصوصاً العذب منها. أو المشوق. أو مبدد الملل ومالئ الفراغ. ولذلك كانت فكرة المسلسلات، التي بدأتها كما يشاع، امرأة ماكرة تدعى شهرزاد، مجهولة باقي الاسم. لكن قبل المكر كان الذكاء، الشرط الأول. فقد استطاعت أن تعرف بذكائها، نقطة الضعف عند شهريار، وراحت تخترع له الحلقة بعد الأخرى. وفي غياب التلفزيون، كانت هي المؤلف، والمصور، وكاتب السيناريو. ولم تترك للآخرين سوى الأشياء البسيطة: الشاي والفستق والنارجيلة «الطهمازية».
في فبراير (شباط) الماضي، احتفل عالم الأدب بمئوية صدور رواية «أوليس» للآيرلندي جيمس جويس، المصنفة واحدة من أهم مائة رواية في آداب العالم. وجرت العادة في مثل هذه المناسبات أن تبدأ الكتابة عن العمل قبل سنة من تاريخه. وبما أن ثمة شبه إجماع على أن «أوليس» من الأعمال الكبرى الأكثر غموضاً، فقد بدأت الكتابة عنها قبل عامين. أو أكثر. والحقيقة أنها بدأت العام 1922. كل ناقد أراد أن يشرح معاناته في قراءة 1666 صفحة عن الحياة في دبلن أوائل القرن الماضي. وكل واحد يقرأها من زاويته. وهناك من لم يستطع قراءة نصف الكتاب، ولذا قيل إنها «الرواية الأكثر عدم مقروئية في التاريخ».
في هذا اليم الجنوني من الكتابات، حاولت أن أقرأ «أوليس» مرة كاملة بعد محاولات كثيرة عبر السنين. وأيضاً أن أقرأ بعض ما يكتب عنها من زوايا أخرى. وقرأت في «دبلن ريفيو» إحدى مجلاتي المفضلة، مقالاً لكاتب هندي يروي كيف قرأ «أوليس» في نيودلهي. ولم أعرف من كان الأكثر خفة، هو أو نيودلهي أو «أوليس».
حصار بلا نهاية. كيفما فتحت جريدة أو مجلة أو درجاً، طلع لي «أوليس». ويبدو أن أسباب الشهرة للرواية لدى ظهورها كان بعض الجرأة فيها. لكن هذا النوع من الجرأة أصبح الآن في الصحف اليومية الأميركية. عندما انتخب جون كيندي رئيساً قامت أميركا وقعدت لأنه كاثوليكي. ومنذ انتخاب جو بايدن، لم ينتبه سوى القلائل إلى أنه كاثوليكي آيرلندي الأصل. فهل معقول أن شهرة «أوليس» لا تزال قائمة لأسباب كانت ممنوعة قبل مائة عام.
في أي حال، لا يزال مهرجان أوليس قائماً في أنحاء العالم. وعندما أسأل أصدقائي في مكتبات باريس، الضفة اليسرى أو اليمنى، هل من صدور جديد، يكون الجواب الفوري شيئاً عن أوليس؟ ومنذ بدء ظاهرة، يعاونني ابني في شراء الكتب عن طريقها. وآخر ما اقترحه علي كتاب عنوانه «كيف تقرأ أوليس».