جلّادون

جلّادون

جلّادون

 العرب اليوم -

جلّادون

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

ارتكبت في حياتي المهنية أخطاء كثيرة، لا يبررها أنها عن جهل. الحقيقة لا تعترف بأسباب مخالفتها. ومعظم تلك الأخطاء كان وراءها الحماس العاطفي والشعور بأنني أؤيد قضايا الضعفاء والمظلومين، وهي كثيرة، وتطرح نفسها على الصحافي كل يوم، لأن العالم مليء بالظالمين والمظلومين معاً.

تعرفت إلى القضية الآيرلندية قبل غيري من الصحافيين العرب، لأنني عرفت آيرلندا قبلهم. عرفتها وأحببتها وأحببت مودة أهلها وحفاوتهم بالغريب. ولم أمض فيها أكثر من أسبوع، وقفت بعده مع فريق ضد فريق، وعاديت أهل الشمال، ولم أترك تهمة لم أتهمهم بها. وأيدت أهل الجنوب، ولم أهمل دعماً في تأييدهم. وكان ذلك إلى قراءة بسيطة لتاريخ البلاد واستناداً إلى ما سمعته خلال لقاءات عابرة في مقاهي دبلن. عندما مرّ ربع قرن على اندلاع ثورة آيرلندا الشمالية كتبت مقالاً أقارن فيه بين تحضرها وتوحش الثورات المشابهة. 2000 قتيل في 25 عاماً بالمقارنة مع 25 ألف قتيل في ثورات أخرى.

صدر أخيراً كتاب للساحر ؤفنتان أوتول بعنوان «نحن لا نعرف أنفسنا» عن تاريخ آيرلندا منذ ولادته عام 1958. عذراً يا أستاذ، وأنا أيضاً لم أكن أعرفكم. هل يخطر لك أن يبني عاقل موقعه من قضية في حجم هذه القضية في أسبوع؟ في سرده لهذه المرحلة من تاريخ شعبه، يحاول أوتول أن يفهمني شخصياً كم كنت غبياً وعنيداً. لأن العند غباء. وأحياناً سفاهة.

الألفا شخص الذين قتلهم «الجيش الجمهوري الآيرلندي» كانوا مجموعة من الأبرياء، بينما كان جلادو «الجيش الجمهوري» مجموعة من الوحوش والأوباش، وليسوا «متمدّنين». قتلة مائة ضعف القاتل، ودبلن التي بعثت منها برسائل الهوى للجسر والنهر والشعراء وجيمس جويس و«يوليسس»، فاتني أن أتعمق فيها قليلاً، وأن أتعرف إلى طباع العامة فيها. وفاتني أن أطرح على نفسي سؤالاً واضحاً: إذا كان الآيرلنديون يكرهون بريطانيا إلى هذا الحدّ، فلماذا تريد آيرلندا كلها الهجرة إلى بريطانيا؟

«نحن لا نعرف أنفسنا». تحفة من التحف الأدبية في الربط بين التاريخ والذات، بين الحقيقة والشجاعة. الجرأة الجميلة، والضاحكة أحياناً، في سرد التاريخ، تاركاً له أن يفسر نفسه، ليس عن طريق مؤرخ، بل عن طريق ابن سائق باص من ضواحي دبلن، يحصد الآن الجوائز الأدبية بمنجل مثل المنجل السوفياتي الشهير.

شيء آخر لا علاقة له بموضوعنا. إذ أقرأ التاريخ الراهن على طريقة فنتان أوتول، تخيفني أوجه الشبه بين لبنان وآيرلندا، أو بالأحرى بين اللبنانيين والآيرلنديين، شعب مهاجر وودود وباذخ و«فشّار» وكريم، وفيه جلاّدون، ومليء شعراء وأدباء. وملاحم. وتقع في حبه من النظرة الأولى. ثم يصل ابنك من لندن ومعه مجموعة من الكتب الحديثة. أحدها «نحن لا نعرف أنفسنا جيداً». يا للهول... كم نحن لا نعرف أنفسنا أبداً.

arabstoday

GMT 18:13 2024 السبت ,18 أيار / مايو

صالحوا أولادنا على اللغة العربية؟

GMT 18:05 2024 السبت ,18 أيار / مايو

«لا إكراه في الدين»

GMT 03:07 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 03:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جلّادون جلّادون



اختيارات النجمات العرب لأجمل التصاميم من نيكولا جبران

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:34 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab