بقلم - سمير عطا الله
بعدما طالت الحرب في لبنان في السبعينات، وتبيّن أنها سوف تطول أكثر، انتقلت الهجرة من الأفراد إلى المؤسسات. وتقاسمت باريس ولندن الهجرة الصحافية. وجاءت إلى المدينتين أيضاً صحف عربية بالخيار لا بالاضطرار، ومنها «الشرق الأوسط»، الدولية.
في باريس أصدر الراحل نبيل خوري مجلة «المستقبل»، وضم إليها مجموعة من الصحافيين المهاجرين والذين لم يهاجروا بعد. وحوّلها إلى مجلة، عابرة للعرب. ولذا انضم إليها بعض كبار هؤلاء مثل أحمد بهاء الدين. وتحول مكتب نبيل في جادّة جورج الخامس إلى ملتقى للزائرين العرب، خصوصاً أنه يقع في محاذاة أشهر فندقين في المدينة «جورج الخامس» و«البرنس دو غال».
كنتُ قد هاجرت مع بداية الحرب إلى كندا، فكتب إليَّ نبيل يطلب منّي الانضمام إلى المجلة الجديدة، فلم أتردد. وكان دوري كتابة «الموقف الدولي»، ثم أصبح «المقال» الافتتاحي. وإضافة إليهما بعد حين، كُلفت كتابة الصفحة الأخيرة التي كان عنوانها «دفتر الوطن».
كان نبيل يعتمد عليَّ أيضاً في الكتابات الترويجية بالعربية والإنجليزية، وفي وضع العناوين الدائمة. وعلى سبيل المثال شُنت حملة على «المستقبل» بأنها غير شعبية، فسألني: ماذا نفعل؟ قلت: نشدد على ذلك. وصرنا ننشر كل أسبوع إعلاناً يقول: «نخبة القراء، نخبة الكتّاب».
بعد مضيّ وقت على «دفتر الوطن» التي كان يتناوب على كتابتها الزملاء، قال نبيل إنها فقدت معناها، واقترح أن نغيّر صيغتها، وأن أتولى أنا كتابتها من دون تناوب. وجلسنا نفكّر معاً في الصفحة البديلة.
قلت إن الصفحة القديمة كانت توحي بالعلاقة مع لبنان، فلماذا لا تكون الصفحة الجديدة مستوحاة من باريس. قلت: وجدتها؛ «الضفة اليسرى»، عنوان الحياة الأدبية في فرنسا. جميل. ولكن مكاتب «المستقبل» على الضفة اليمنى وفي قلب الحياة البورجوازية. فلنفكرْ في عنوان آخر، فاقترحت «الضفة الأخرى» العنوان الذي عاش مع الجميلة حتى إغلاقها.
قبل أيام كنت أقلّب القنوات عندما فوجئت بأن على أحدها برنامجاً اسمه «الضفة الأخرى». شكراً يا جماعة، ولكن هذا عنوان ظل يظهر مع اسمي وصورتي نحو 20 عاماً، أليست لي حقوق فيه، أو على الأقل طلب إذن؟ طبعاً هناك احتمال قوي بأن تكون المسألة توارُد خواطر، وبأنّ واضعه الجديد لم يرَ «المستقبل» في حياته. وفي هذه الحال أنا أعتذر عن سوء الظن وسوء الفطن.