بقلم - سمير عطا الله
ليس للثلج وقع وهو يتساقط، خصوصاً في الليل والناس نيام وليس صاحياً سوى الصقيع. وتلك الليلة ظل يرش كل شيء باللون الأبيض. ولما أفقنا، أمي وأنا، تطلعنا صوب الغرب، فرأينا الأودية مغمورة بأفراح الشتاء. وتطلعنا صوب الشرق، فرأينا الجبال مغطاة وصامتة.
وبعدما أوقدت أمي المدفأة بالحطب وتأكدت من أنها سمعت بنفسها صوت الدفء، خرجت إلى جوار البيت لتأتي بالمزيد من الأحطاب. فمن يعرف إلى متى يطول الثلج وتتأخر شمس الدفء في التجلّي. وبعد قليل عادت، وبدل أن تفتح الباب قرعته بفرح، قائلة: احزر ماذا معي؟
وكان عالمي صغيراً يومها. والذي أعرفهم وأحبهم قلّة. وشعرت بسعادة للسؤال، وقلت «جدي». حاولت أمي طرح السؤال مرة أخرى، فلم يكن لدي من أسميه. وأعي، في أي حال، ليس في مفاجآت الصيف أو الشتاء أو الفصول أو السنين.
عندما اشتد البرد على أمي وهي تنتظر في الخارج أن أحزر ماذا تخبئ، فتحت الباب ودخلت ضاحكة تحمل عصفوراً رمادياً صغيراً. علق في أكوام النفناف. وشعرت أمي بالخيبة عندما رأت أنني لم أهتم للأمر. كنت أريد أن يأتي جدي ومعه حكاياته عن القرى في غابات المكسيك، ومجاهل التمبيكو، وكيف كان يبيع للبيوت المتفرقة، المناديل وأدوات التطريز والخياطة، وفي اليوم التالي ينتقل على فرسه إلى قرية أخرى.
شعر العصفور الرمادي الصغير بغربة. وبقي مكانه عندما تركته أمي إلى حريته. وراح يتأملنا ويدرس المكان. وظل في مكانه، غير خائف، لكن أيضاً غير مبالٍ. ولم يكن في البيت كثيراً مما نطعمه. فحملت إليه أمي على صحن صغير، قليلاً من «مربى» السفرجل. فلم يكترث. وعاد يتأمل دقائق المكان. وشعرت أمي، كعادتها، بالأسى لأنها أسرت مخلوقاً ضعيفاً.
وعاد الثلج يتساقط في الخارج ويتكدس عند حافة النافذة. وكان حنانها يملأ جبال الكون وسهوله وبحاره. وقامت إلى واحد من الكتب القليلة التي عندنا وأخذت تقرأ لي منه. لم أعد أذكر ماذا. وفي اليوم التالي أفاقت فوراً تبحث عن العصفور الرمادي الصغير. فوجدته قرب النافذة، منشرحاً يتنقل بفرح. حملته وأطعمته «المربى»، طاب له وهز رأسه في كل الاتجاهات. واقترحت أمي أن نطلق عليه اسماً. أمضينا وقتاً في عملية البحث. ثم نسينا الأمر أيضاً. وصار العصفور الرمادي الصغير سلوى الأبواب المغلقة بالثلج. وعندما ذاب قليلاً، خرجت أمي لتأتي ببعض الحطب. فلحق بها، ثم اتجه صوب الأودية.