بقلم - إنعام كجه جي
بعد أن شدت ونفخت وشفطت وخضعت لأشكال وألوان من جراحات التجميل، تقرر جين فوندا وهي في الرابعة والثمانين أن تنصح النساء بتجنب تلك العمليات. أن يقبلن سحناتهن وأجسادهن كما هي، على الطبيعة. تقول في مقابلة صحافية إنها نادمة على شد جلدة وجهها، وتحذر الشابات من مخاطر الإدمان على التجميل والعلاجات التي تؤدي إلى تشويه الملامح.
في وقت سابق، اعترفت النجمة الأميركية بأن كل ما هو تحت الرقبة من جسمها ليس لها. لقد استبدلت عظم الورك وزرعت مفصلين للركبتين وكذلك للكتف. والسؤال هو: ما فائدة تمارين الرياضة التي بشرت بها وجمعت منها ثروة طائلة؟ كانت تسجيلاتها، في ثمانينات القرن الماضي، هي أشرطة الفيديو الأكثر مبيعاً في التاريخ. تصطف ملايين النساء أمام شاشات التلفزيون، من سيدني إلى بغداد، يتفرجن عليها ويقلدن حركاتها على إيقاع الموسيقى. صارت ملكة لرياضة «الآيروبيك» والحفاظ على الرشاقة. وكانت قبل ذلك ممثلة ورثت لقباً شهيراً ومناضلة سياسية.
إلى جانب جائزتي أوسكار وحفنة من تكريمات سينمائية أخرى، يحفظ التاريخ لفوندا أنها كانت أبرز المعترضين على استمرار الحرب الأميركية في فيتنام. ذهبت إلى هناك عام 1972 تساند مقاتلي الفيتكونغ وظهرت في صورة شهيرة وهي تعتلي مدفعاً مضاداً للطائرات. سخر منها أنصار الحرب وأطلقوا عليها لقب «هانوي جين». وبعد عقود على تلك الصورة، في عام 2006، بصق عليها رجل في كولورادو وهددها بالقتل. لم تكن تحب الحروب وحلمت بالسلام في فلسطين، وأعلنت مساندتها لنضال الشعب الفلسطيني. ولما ولدت طفلة سمتها فانيسا، تيمناً بصديقتها الممثلة البريطانية فانيسا ريدغريف نصيرة الفلسطينيين. ذهبت إلى القدس ووقفت تحت المطر في مظاهرة أمام منزل رئيس الوزراء شارون ضد احتلال الضفة وغزة. لم يسلم منها الرؤساء نيكسون وبوش وترمب. تعرضت طوال حياتها للمراقبة والملاحقة، وكان طبيعياً أن تعارض الحرب على العراق.
حين تبحث عنها في «غوغل» تجد 25 مليون صفحة من المعلومات. كثير من التواريخ ومن الزَبَد. هل تكون الحقيقة هي تلك التي سجلتها في مذكراتها الصادرة بعنوان «حياتي»؟ ليس سهلاً أن يولد المرء في قبيلة يديرها أب يدعى هنري فوندا. وحش الشاشة الأميركية. الممثل الذي أدى أدواراً لا تنسى. قال عنه أورسون ويلز: «أنظر إليه وأرى وجه أميركا». وهي قد شابهت أباها في النظرة الزجاجية الزرقاء والفكين القويين والشفاه الرقيقة. بل إنها حاولت تقليد مشيته ووقع خطواته القوية على الأرض. لكن علاقتهما لم تكن يسيرة، خصوصاً أنها فقدت والدتها وهي في الثانية عشرة من العمر. شخصيتان عنيدتان تتبادلان الوله والمكائد.
تزوجت المخرج روجيه فاديم «جامع الفراشات الشقراء»، وظهرت شبه عارية في أفلامه. سئل أبوها عن رأيه بزواج ابنته أجاب: «ابنتي؟ أي بنت؟». وفيما بعد استمرت حرب التصريحات بينهما. لم يغفر لها كلامها عنه لإحدى المجلات. قالت كان عليه أن يبدأ جلسات تحليل نفسي قبل أربعين عاماً. أب قادر على تبادل الحديث لساعات مع مسافرين غرباء في طائرة وعاجز عن قول جملتين في بيته. وكان يحدث أن يتصالحا ويمثلا في أفلام مشتركة. واليوم تعترف بأنها نتاج سلالة طويلة من المكتئبين. احتاجت لطبيب نفسي لكي تفهم لماذا ذابت شخصيتها تحت وطأة أربعة رجال: أبيها وأزواجها الثلاثة. أرادت عمل فيلم وثائقي عن حياتها وطلبت من ابنتها فانيسا المساعدة. كانت ردة فعل البنت: «الأسهل هو أن نأتي بحرباء ونتركها تسبح على الشاشة».