مائة عام وعام

مائة عام وعام

مائة عام وعام

 العرب اليوم -

مائة عام وعام

بقلم - إنعام كجه جي

«الشيخوخة سلالم نرتقيها وليست درجاً ينزل بنا إلى القبر». صاحب هذه العبارة هو الفيلسوف الفرنسي إدغار موران الذي احتفل قبل يومين ببلوغه عامه الأول بعد المائة. يرى الرجل المئوي أن كل درجة في سلالم الشيخوخة تكتسب قيمتها من الدرجات التي سبقتها. كل تجربة تضفي قيمة أكبر على الخطوة التالية. وبهذا فإن الشيخوخة بحث وتغيير مستمر.
منذ سبعين عاماً وموران يحتل موقعاً عالياً في علم الاجتماع. شغل مناصب في مراكز الأبحاث وكتب عشرات المؤلفات ومئات المقالات وشارك في إخراج أفلام مهمة. يقول إنه صنع نفسه بنفسه لكنه يحمل الدكتوراه الفخرية من ثلاثين جامعة في الشرق والغرب. وله أوسمة شرف عديدة من بلده الأم فرنسا، وكذلك من البرتغال وإسبانيا والمغرب. نال تكريمات عالمية لا تحصى، منها جائزتا «ابن خلدون» من تونس و«ابن سينا» من المغرب.
إنه واحد من سلالة جميلة من مثقفين موشكين على الانقراض. له نظرياته المجددة في الفلسفة والاجتماع. والمجال لا يتسع هنا لشرحها. وله، بالإضافة إلى علومه، رأي مسموع في القضايا التي شغلت الإنسانية في القرن الماضي وهذا القرن. مثقف لم يكتفِ بالكلام والتنظير. انخرط في الحرب الأهلية الإسبانية إلى جانب الجمهوريين. حارب في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني. ولد لأسرة يهودية واعتنق العلمانية. تعامل مع الأديان بمنطق العقل. أعجبته البوذية لأنها لا آلهة فيها، حسب قوله. نشأ اشتراكياً وانتمى في شبابه للحزب الشيوعي وانفصل عنه مبكراً. قال إن تأثره بطرده من الحزب يشبه حزناً طفولياً، موجع لكنه عابر.
والمثقفون الموشكون على الانقراض هم أولئك التنويريون الذين يجتهدون لأن يكونوا ضمير الإنسانية في أزمنتها الصعبة. وقف إدغار موران ضد استعمار فرنسا للجزائر وكانت له مواقف من النزاع العربي الإسرائيلي. سمّاه السرطان واستنكر تحول اليهود من شعب مُضطهَد، بفتح الهاء، إلى مضطهِدين للشعب الفلسطيني. انتقد نظرة إسرائيل الأحادية للأمور. كان شجاعاً حين أعلن أن من يلاحَقون في فرنسا وغيرها بتهمة معاداة السامية لا ينطلقون من كراهية اليهود بل بسبب سياسات إسرائيل. نشر مقالاً في جريدة «لوموند» معترضاً على احتكار اليهود لصفة ضحايا المحرقة وتقليلهم من معاناة أقوام غيرهم تعرضوا للإبادة. منفيو الغولاغ. الغجر. الأرمن. الأفارقة العبيد والهنود الحمر. استخدم مفردات «استعمار» و«تمييز عنصري» و«حجز الفلسطينيين في غيتو» في وصف ما تقوم به الدولة العبرية في الأراضي المحتلة.
بسبب ذلك المقال الذي وقّعه معه اثنان من زملائه، حوكم إدغار موران بتهمة «التشهير العنصري وامتداح أفعال إرهابية». أقامت الدعوى منظمات يهودية وتجمع «محامون بدون حدود». قضت المحكمة بإدانة الفيلسوف المتهم، وأكد قاضي الاستئناف الحكم. لكن محكمة النقض كسرته واعتبرت أن ما جاء في المقال حرية رأي.
خلال عمره المديد ارتبط إدغار موران بأكثر من امرأة، آخرهن الباحثة المغربية صباح أبو السلام. كان في التسعين حين تزوجها وهي في الخمسين وتعتبره أستاذها. نشرا معاً كتباً مشتركة، منها واحد بعنوان «الرجل ضعيف أمام المرأة». وفي يوم احتفاله بمائة عام وعام استضافه التلفزيون الفرنسي وظهر متورد الوجنتين ومحتفظاً بكامل فطنته. لم تفارقه الابتسامة وهو يعلن أنه عاش قرناً من الزمن وتعلم كيف يتقبل الحياة بحلوها ومرها. تذوق حلاوة تحرير باريس من الألمان ومرارة خسارة الأحباب. اعترض على وصفه بالرجل الناجح وقال إن الدنيا خليط من نجاح وفشل.
هل يتقاعد الرجل العجوز؟ مطلقاً. إنه يحتفل بصدور كتاب جديد له، عنوانه: «استيقظوا!».

arabstoday

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

GMT 03:27 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

مشروع إنقاذ «بايدن»!

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

ما تحمله الجائزة

GMT 03:20 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

من هو (موسيقار الأجيال الحقيقي)؟!

GMT 03:15 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

هل من نجاة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مائة عام وعام مائة عام وعام



الأميرة رجوة بإطلالة ساحرة في احتفالات اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله الحكم

عمان ـ العرب اليوم

GMT 23:54 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

آسر ياسين يكشف تفاصيل أعماله الجديدة
 العرب اليوم - آسر ياسين يكشف تفاصيل أعماله الجديدة

GMT 18:08 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

حزب الله يدخل أسلحة جديدة في معركته ضد إسرائيل

GMT 23:54 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

آسر ياسين يكشف تفاصيل أعماله الجديدة

GMT 02:34 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

انتهاء ظاهرة النينيو المناخية بشكل رسمي

GMT 02:59 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

استهداف 3 منازل في غزة وسقوط شهداء بينهم أطفال

GMT 11:16 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

وفاة السيناريست السوري فؤاد حميرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab