حرائق وبابونج

حرائق وبابونج

حرائق وبابونج

 العرب اليوم -

حرائق وبابونج

بقلم - إنعام كجه جي

«ليت الشرطي ضرب ولدي وسحبه خارج السيارة. لكن أن يطلق عليه النار؟!». كلمات توجع القلب قالتها منية، والدة المراهق نايل الذي لقي مصرعه في حادث تفتيش عادي في نانتير، ضاحية باريس. ومنذ مقتل الولد والضواحي تشتعل. ينتقل الحريق إلى وسط باريس ومرسيليا وليون وغيرها من مدن البلاد.

كنت أنوي أن أكتب اليوم عن جمال الحدائق والمتنزهات المترعة بالشمس. عن تلك الطحالب التي تخرج إلى النور من بين شقوق الجدران وحافات الأرصفة. لكنّ الدخان الكثيف المنبعث من نشرات الأخبار يغطي على كل ما هو أخضر ورائق. أقول لنفسي هكذا هي دنيانا؛ دمار يجاور ازدهاراً، موت من هنا وولادة من هناك.

أي يد مباركة تلك التي مرت بهذا الشارع وخطّت، بالطباشير، اسم كل نبتة تطلّ برأسها من بين صفوف الحجر أو تشق طريقها إلى الهواء من فجوات القار الذي يعبّدون به الطرقات؟ كنت قد قرأت عن تلك السيدة ذات التخصص النادر. اسمها فالانتين، وهي خبيرة بأعراق النباتات. مَن قال إن النبتة مقطوعة من شجرة، أي ليس لها أهل وآباء وسلالة؟

تدعو مدام فالانتين عشاق كل ما هو أخضر في الطبيعة إلى جولات تتولى تنظيمها في أحياء باريس. كل ما هو مطلوب من رفاق الرحلة أن يحضروا معهم قطعة طباشير أو أي صبغة نباتية تصلح للكتابة على الحجر. يتوقف المتجولون عند كل عشبة متمردة على صلابة الإسمنت. تساعدهم الخبيرة في التعرف إلى فصيلتها وخصائصها. تدلّهم على اسمها الشعبي واسمها العلمي. يأخذون الطباشير ويسجلون الاسم قرب النبتة. تسمية «أعشاب ضارة» أو «حشائش ملعونة» وفق التسمية الفرنسية. نحن كنا نسميها نباتات طفيلية. نقتلعها من حواف أقلام الورد. نتصور أنها تضرّ به وتشاركه حصته من رحيق التربة. ثم تأتي فالانتين وتشرح لنا أن لا شيء طفيلياً على هذه الأرض. لكل مخلوق رزقه، حتى لو كان عشبة ضئيلة أو نملة.

دعاني رسام من أصدقائنا إلى زيارته في مرسمه لمشاهدة لوحاته. كان قد استغل حجرة مشيّدة من الحجر والطين في أقصى الحديقة وجعلها مرسماً. ومن بين كل اللوحات، سحرتني زهرة بابونج صغيرة نبعت وسط الجدار الخشن، تزهو بصفرة وريقاتها. هل زعل الفنان حين أخبرته بأنها أجمل لوحات المرسم؟ رأيت عملاً من إبداع الطبيعة.

والآن، ماذا تريد فالانتين من جولاتها في الأزقة، أيام الآحاد والعطلات؟ يبدو هدفها هلامياً لأمثالي. تجرفنا المشاغل اليومية ولا تترك لنا فسحة لتأمل ما حولنا. تريد الخبيرة أن تؤسس أكبر دليل للأعشاب المبثوثة في الطرقات. تلك التي تدوسها الأقدام المسرعة من دون انتباه. تخبرنا أن الكثير من تلك النباتات صالح للأكل، ومنها ما هو مفيد كعلاج. لكن إياكم من انتزاعها من حافة الرصيف ووضعها في الغلاية للحصول على نقيع مهدئ للأعصاب، مثلاً، أو لوجع المعدة. لقد مر عليها سكارى الليالي والكلاب المدللة وقضوا حاجاتهم في زوايا الطرقات. اليوريا خير سماد.

أتأسف لأن الكتابات بالطباشير على الزفت لن تصمد تحت الأقدام العابرة. استعيد ما أنشدته فيروز عن عاشقة تكتب اسم حبيبها على الورد العتيق، ويكتب هو اسمها على رمل الطريق. تمطر السماء ويُمحى اسمها. أتخيل فالانتين ترمقني بنظرة فيلسوف عارف. تقول لي إن لا شيء يزول. اليد التي كتبت حفظت الاسم. هل قرأت السيدة الفرنسية محمود درويش: «أثر الفراشة لا يُرى... أثر الفراشة لا يزول»؟

المدينة تحترق، ثم تنفض رمادها وتخضوضر.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرائق وبابونج حرائق وبابونج



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 07:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

لبلبة باكية في عزاء بشير الديك وتتحدث عن عادل إمام
 العرب اليوم - لبلبة باكية في عزاء بشير الديك وتتحدث عن عادل إمام

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab