الوهم جميل جميل الوهم

الوهم جميل... جميل الوهم

الوهم جميل... جميل الوهم

 العرب اليوم -

الوهم جميل جميل الوهم

بقلم - إنعام كجه جي

في فرنسا 1200 متحف. أغلبها للآثار والأعمال الفنية القديمة. لكن هناك متاحف لكل ما قد يخطر على البال. الدمى والأزرار والأنبذة أو حتى الطماطة. وآخر هذه المتاحف واحد للوهم يقع في قلب باريس.

دع عقلك الواعي في الخارج واقطع تذكرة وادلف إلى دنيا اللامعقول. هنا تضع العلوم يدها في يد الفنون للتحايل على الواقع وزغللة أعين الزوار وتوريطهم في الأكذوبة. وهذا يُسمى بلغة العلم خداعاً بَصَريّاً. يجد المرء نفسه في غرفة لا يعرف أرضها من سقفها. أو أمام أبواب تنفتح أمامه بلا نهاية. أو في طريق ينخسف به فيهبط قلبه من دون أن تتزعزع قدماه. متحف تقصده العائلات لكي يتسلى كبارها وصغارها.

يركز القائمون على المتحف جهودهم في هدف واحد: التلاعب بالحواس. يعرف المرء ما يحيط به من خلال حواسه. لكن الأذن هنا تسمع ما لا تتوقع. والعين ترى أشكالاً هندسية وألواناً متداخلة. والأنامل تلمس جدراناً تتهاوى. والأنف يسافر في غابات من الروائح العجيبة. والزبون سعيد لأنه نزع واقعه وتركه في المشجب ودخل لينسى يومياته الثقال ولو لساعة من الزمن.

والوهم في معاجم لغتنا هو ما يقع في الذهن والخاطر. وهو الغلط والسهو. فهو واهم وهي واهمة وهم واهمون. ومن وَهَمَ في أمر ما معناه أنه ذهب إليه وكان يريد غيره. ومن وَهَمَ في الصلاة فقد غلط فيها وسها. وفي علم النفس فإن الوهم اعتقاد خاطئ يؤمن به المرء بالرغم من عدم وجود أدلّة عليه. وهو قد يكون مؤشراً على مرض عقلي.

كلنا نتوهّم. ولسنا كلنا مجانين. تضغط الحياة على ابن آدم فيأخذ لنفسه فسحة من خيال. لكن الخيال ليس الوهم وهو قد يكون ابن عمه. ولعل الآداب والفنون العالمية تدين للوهم بالفضل بقدر ما تدين للخيال. فقد زرع بيكاسو شفتي حبيبته في جبهتها. ورسم دالي ساعة تنطوي مثل خرقة وتسيل. وجاء خوان ميرو بالقمر ودحرجه في الحديقة. ويقولون لك إنه فن تجريدي. أي فن يجرّد الحقيقة من ثيابها. وبهذا فإنها تتخفف وتصبح حرّة في ارتياد ملاعب الأوهام.

في متحف الوهم ينصبون للمرء فخاً قائماً على التناقضات، تدفع 18 يورو لكي تقع فيه. ويقول لك الدليل إن زيارة هذا المكان تجربة تعليمية مدهشة. فالزائر يتعلم ألا يثق بكل ما يراه. إذ يمكن لتلاعب بسيط ومدروس أن يخلخل البصر ويزوّر المسافات ويخلط شروط النسبة والتناسب. وهناك صالة تنعدم فيها الجاذبية الأرضية فيجد المرء نفسه طائراً فيها، مثل رائد فضاء في كبسولة. ومنذ أيام عباس بن فرناس والإنسان يمنّي النفس بأن يكون له جناحان فيملك قدرات الطائر. ووقع ابن فرناس ودُقّ عنقه، كما تقول العرب، لكن أجيالاً تالية حاولت وطارت.

أنشد عبد الوهاب: «أنا من ضيّع في الأوهام عمره». فالوهم الجميل قد يؤدي بصاحبه إلى مسالك غير محمودة. غنى عبادي الجوهر: «شفت الوهم كيف أخذلك. ولأي حالة وصّلك. ما قلت لك يا قلبي لا... لا تحب حاجة ما هي لك». لكن المرء يشتاق لما هو ليس له. ولمن هو ليس له. وتلك هي الطامة الكبرى.

ومن الغناء إلى الشعر. قال شاعرنا الجواهري في قصيدة «أيها الأرق»: «إن هذا العمرَ يُختَرَقُ... كاختراق الثوبِ بالإبرِ/ وهو بالأوهامِ يُستَرَقُ ... كاستراقِ الغيمِ للمطرِ». ويقول في قصيدة «اعترافات»: «وكم سلّيتُ بالأوهام نفسي... وغطّيتُ الحقيقةَ بالخيالِ». وهو أيضاً القائل: «وما الخيالُ بسادرٍ... بئسَ الخيالُ تقودُهُ الأوهامُ».

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوهم جميل جميل الوهم الوهم جميل جميل الوهم



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:07 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

غارة إسرائيلية على أطراف بلدة مركبا فى لبنان

GMT 16:01 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

ارتفاع التضخم في أمريكا خلال يونيو الماضي

GMT 13:19 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

محمد ممدوح يكشف عن مهنته قبل التمثيل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab