لبنان في قبضة المتقاعدين والأساتذة والقضاة

لبنان في قبضة المتقاعدين والأساتذة والقضاة

لبنان في قبضة المتقاعدين والأساتذة والقضاة

 العرب اليوم -

لبنان في قبضة المتقاعدين والأساتذة والقضاة

بقلم : جورج شاهين

لا يبدو سهلاً على الحكومة أن تواجه كل الملفات المفتوحة وتلك المتوقعة في القريب العاجل بعد البَت بالموازنة العامة والذهاب الى ملاقاة مليارات «سيدر». لكن ما هو لافت انّ أولوياتها لم تتناول بعد مطالب العسكريين المتقاعدين وأساتذة الجامعة اللبنانية ولا القضاة. ولذلك سيبدو انّ لبنان اليوم في قبضة هؤلاء معاً. فكيف السبيل الى المواجهة وهل هي ممكنة؟

لا يُخفي مرجع حكومي سابق مخاوفه من عدم قدرة الحكومة ورئيسها على مواجهة الاستحقاقات المقبلة على لبنان والمنطقة. ولذلك، فهو لا يحسده على موقعه. وذلك بالنظر الى عوامل عدة رسمت حدوداً للسلطة ووَزّعتها على عدد من المرجعيات قياساً على حجم الكتل النيابية والوزارية بعدما أدى قانون الإنتخاب الى تغيير الموازين وجاء الالتزام باتفاق الدوحة في تركيب الحكومات الوطنية المتحدة ليزيد في الطين بلة. فظنّ كثيرون منهم أنهم أسياد وزاراتهم يتحكّمون بها من دون النظر الى أي ممّا يشكل حداً أدنى من التضامن الحكومي ودور مجلس الوزراء في رسم السياسات الكبرى والإستراتيجيات التي تتحكم بالقضايا والملفات الكبرى. ليس الكلام في هذا المنحى توافقاً مع أي من المجموعات السياسية والحزبية التي تتغذى من الطروحات الديماغوجية والطائفية سعياً الى تعزيز ثنائياتها متى تأمّنت، وآخرون يسعون إليها بما أوتوا من قوة السلطة ومن التحالفات، فيما ظهر أخيراً أنّ هناك من يسعى الى الأحادية في ساحته الطائفيّة بعدما عرفت تنوّعاً لا سابق له في أي مرحلة من تاريخ لبنان المعاصر، وبعدما انتهت الأحاديات في طائفتين على الأقل ويريد أن يقنع الناس أنه يخوض حرباً كونيّة لا يُشاركه في المواجهة أي مكوّن آخر.

على هذه القواعد تبنى السياسات الحكومية، ولم ينفع السعي الى الحد الأدنى من التضامن الحكومي في توحيد الجهود لحل بعض المعضلات التي طال انتظار توافر المخارج لها، كإضراب أساتذة الجامعة اللبنانية وتجميد القضاة أعمالهم في المحاكم والنيابات العامة فشَلّوا مسيرة العدل الى الحدود الدنيا التي لم تعرفها هذه السلطة قبلاً. فكلّ يغني على ليلاه، وليس أدلّ الى هذه التجربة ما يوحي بازدواجية المواقف في كثير من الملفات، فبعدما وافقت قوى سياسية وحزبية ووزارية على كثير من البنود في مشروع قانون موازنة 2019، بدأ السعي الى تعديلات جذرية في ساحة النجمة بعد إحالة مشروع القانون الذي أقرّته الحكومة بشق النفس الى المجلس النيابي، وهو أمر أحدث إرباكاً غير مسبوق. ولم تتوقف الملاحظات والتعديلات التي أقرّتها لجنة المال والموازنة عليه عند الشكليات أو تصويب بعض الأخطاء في الشكل لا في المضمون، بل ذهبت أبعد من ذلك الى مرحلة تهدّد نسبة العجز التي توصّل اليها المشروع على رغم من أنها وهميّة الى حد بعيد، وقد أثبتت التجارب السابقة عقم مثل هذه الحلول التي لم تأتِ بالنتائج المرجوّة منها.

فأرقام العجز والواردات وحجم الإنفاق في موازنة 2018 كانت خير دليل على حجم الأخطاء التي ارتكبت والتقديرات الفاشلة لحجم الرسوم والضرائب التي يمكن تحصيلها، ولم يلحظ أحد انّ الحكومة قد تحسّبت لهذه النتائج التي توقعها الجميع ما عدا أهل الحكم والحكومة الذين توغّلوا في المصروف والتوظيف المنظّم بالقوافل في بعض المؤسسات العامة والخدماتية والإستشفائية وبعض الوزارات، من دون النظر الى حاجاتها الفعلية. فبقي معظمها يشكو قلة العدد وقد بلغت نسبة الشغور في بعضها اكثر من 33 %، فيما عزّزت هذه التوظيفات الأخيرة فائض الموظفين في البعض الآخر منها.

على هذه الخفليات، بَدا ظاهراً انّ الحكومة التي تراقب من بُعد التحركات المطلبيّة الرافضة بعض الإقتراحات في مشروع الموازنة، وسلّة الضرائب التي يجري البحث فيها ما زالت تتفرّج على الحراك الذي يقوده المتقاعدون العسكريون من مختلف المؤسسات العسكريّة والأمنية، والإضراب المفتوح الذي ينفّذه أساتذة الجامعة اللبنانية الذي اقترب من شهره الثالث في أسوأ توقيت يتصل بنهاية السنة الجامعية وبحاجة آلاف الطلاب الذين ينوون السفر الى الخارج للالتحاق بجامعاتهم وللتخصّص في مجالات مختلفة، ليس لسبب سوى أنهم لم يتمكنوا من الحصول على أي وثيقة تُثبت الانتهاء من المرحلة الجامعيّة بنجاح للانتقال الى مرحلة أعلى.

ليس في ما سبق أي جديد، لكنّ الجديد ما ظهر من عجز حكومي بلغ الذورة في ملاحقة قضايا فئات كبيرة من اللبنانيين. فلم يتنبّه أصحاب العلاقة حتى اليوم الى انّ تحركات الحكومة مجتمعة لمواجهة أي من هذه المطالب التي تقضّ مضاجع آلاف العائلات اللبنانية من مختلف فئات العسكريين المتقاعدين وكذلك من هم في الخدمة الفعلية من مختلف الأسلاك العسكرية والامنية. كما بالنسبة الى اساتذة الجامعة الذين، وللمرة الأولى من تاريخ الجامعة، تجاهلوا حقوق الطلاب من طالبي التخرّج في السنوات الأخيرة من اختصاصهم على الأقل لتسهيل انتقالهم الى المراحل العليا من الدراسات او الالتحاق بالجامعات في الخارج من دون ان يرفّ لهم جفن. ولم يتوانوا مرة عن الإبلاغ الى طلابهم أنّ ما يقومون به أهم بكثير من مستقبلهم ومما يطالبون به من حقوق بديهية.

وكذلك ينسحب الأمر على القضاة الذين عَصوا على كل الأجهزة العليا في قطاعهم، وتجاهلوا إشارات وزير العدل اكثر من مرة ومناشدات مجلس القضاء الأعلى للحؤول دون التمادي بإلحاق الضرر البالغ بمصالح آلاف اللبنانيين المتقاضين امام المحاكم لقاء حفنة من الحسومات التي يمكن تجاوزها لفترة معينة، والتي طاولت صناديقهم كما صناديق بقية القطاعات بلا استثناء.

ومن هذه الخلفيات بالذات يَصحو اللبنانيون اليوم على مشهد غريب وجديد فأوصال لبنان ستكون مقطوعة، والشريان الرئيسي بين البقاع وبيروت سيكون مقطوعاً عند جسر النمليّة على طريق ضهر البيدر لـ5 ساعات على الأقل، وما بين الجنوب وبيروت في خلدة وما بين طرابلس وجبل لبنان في شكا. وقد وصف أحد منظّمي الحراك الخطوة بأنها تحذيرية، واذا لم يتراجع المسؤولون عن طروحاتهم التي طاولت لقمة عيشهم ومدّخراتهم سيكون المنظر أكثر تشدداً في وقت قريب. فلربما أقفلت مداخل العاصمة وابواب المؤسسات الوزارية، لأنّ عدد المتقاعدين كبير وهم مدرّبون على كل أشكال الحراك المنظّم. وكل ذلك يجري على وقع التظاهرات التي ينظمها الطلاب من دون ان يرد عليهم أحد، وكذلك فالعدالة في إجازة طويلة، وليس في المحاكم ما يشير الى حاجة للفصل بالعدل منذ أشهر عدة.

على هذه الصورة يبدو انّ لبنان بات بين أكثر من فَكّي كمّاشة، فهو اليوم في قبضة العسكريين المتقاعدين ويتعاطف معهم رفاق السلاح ممّن هم في الخدمة الفعلية من مختلف المؤسسات الامنية والعسكرية والجامعة، والعدل في إجازة، والمسؤولون لهم أولوياتهم في تقاسم اعضاء المجلس الدستوري بعد 5 سنوات يُصرّف فيها المجلس القديم أعماله ويسعون الى الإمساك بمفاصل السلطات الإداريّة والقضائيّة والعسكريّة والأمنيّة والماليّة فهم يعتقدون أنّ الدولة تُدار من فوق، أمّا من تحت فهذه هي مسؤولية الناس الذين أولوهم شرف تمثيلهم وعليهم ان تنازلوا عن كامل حقوقهم الى أجل غير مسمّى.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان في قبضة المتقاعدين والأساتذة والقضاة لبنان في قبضة المتقاعدين والأساتذة والقضاة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة
 العرب اليوم - بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab