بقلم - سليمان جودة
إذا كان هناك شخص فى العالم يفكر فى الترويج لفكرة الدين الإبراهيمى الواحد، الذى يجمع الديانات السماوية الثلاث فى ديانة واحدة، فهذا الشخص مدعو إلى أن يوفر وقته وجهده.. وإذا كانت هناك جهة من الجهات فى أى مكان على الخريطة تفكر فى الاتجاه نفسه، فهذه الجهة مدعوة أيضًا إلى أن توفر وقتها وجهدها.
أما السبب فهو أن هذه فكرة مكشوفة، والانشغال بها على أى مستوى تضييع للوقت وللجهد معًا، ومن الأجدى أن يتم إنفاق الوقت والجهد فى شىء مفيد.
وقد كان الأزهر أسبق من الجميع فى الإعلان عن رفض الفكرة جملةً وتفصيلًا، وبشكل لا يقبل فيها الجدل، ولا النقاش، ولا الكلام.. فهذا باب مغلق تمامًا ولا سبيل إلى العبور منه مهما تكررت المحاولات، ومهما عاد الذين يقفون وراء الفكرة إلى جس النبض كل فترة.. هذا باب موصد فى تقدير الأزهر من هنا إلى يوم القيامة، والذين طالعوا حديث الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فى الموضوع لاحظوا ذلك بوضوح لا غموض فيه.
لم تشأ مشيخة الأزهر أن تدع القضية للقيل والقال، وبادرت إلى إغلاقها تمامًا، ثم راحت تفرق بين البيت الإبراهيمى الذى تأسس فى أبوظبى، وجرى افتتاحه بالفعل فى ١٦ فبراير، وبين ما يسمى الديانة الإبراهيمية، فما بينهما من فروق كما بين السماء والأرض.
فهناك فارق بالتأكيد بين بيت إبراهيمى يضم مسجدًا وكنيسة وكنيسًا، فى منطقة واحدة تضم الثلاثة معًا، وبين أن نسمع كلامًا هو السخف بعينه عن دمج الديانات الثلاث.. هذا سخف بلا حد.. ولا ينطوى على شىء قدر ما ينطوى على الاستهانة بالذين يعتقدون فى كل ديانة سماوية، ولا يوجد أى احتمال لأن تصادف الفكرة أى قبول لدى أى إنسان من معتنقى الديانات الثلاث.
وإذا كان هناك مَنْ يتخيل أن البيت الإبراهيمى يمكن أن يكون مقدمة إلى الديانة الإبراهيمية، فهو مخطئ بنسبة مائة فى المائة، وهو يسبح ضد تيار سيجرفه فى أول لحظة، وهو يخوض فيما لا يجب الخوض فيه لدى الذين يؤمنون بديانات السماء.
البيت الإبراهيمى يلعب على فكرة المشترك بين الأديان الثلاثة، ويرى فى هذا المشترك أرضًا يمكن أن يلتقى عليها المؤمنون بالديانات الثلاث.. أما دمج الديانات فهو أقرب إلى التخريف منه إلى أى شىء آخر، ولأن الأزهر لا يتعامل مع التخريف، ولا يقبل به، فإن موقفه من الترويج لمثل هذه الفكرة كان أحَدَّ من السيف.