بقلم: سليمان جودة
فلكيًّا ينتهى الصيف ويبدأ الخريف فى ٢١ سبتمبر، الذى إذا بدأ ساد إحساس لدى الناس بأن الصيف قد انتهى، حتى ولو بقيت الحرارة الزائدة مصاحبة لنا إلى ما بعد هذا التاريخ.
ومع نهاية أغسطس تختفى مظاهر الحياة فى الساحل الشمالى أو تكاد، ولا يتبقى منها إلا ما يتناثر هنا مرة وهناك مرات، ويعيش رواد الساحل على أمل اللقاء فى صيف السنة المقبلة، ولا نزال كلما حدث هذا نتساءل عن الطريقة التى يمكن بها أن نجعل ساحلنا الشمالى حيًّا طول السنة.
وهو لن يكون حيًّا طول السنة إلا إذا جعلناه مقصدًا من بين مقاصد السياحة فى البلد وفى المنطقة، ولا أقصد المعنى السياحى الترفيهى فى ذلك، ولكن أقصد المعنى الثقافى، الذى يهم السائح الأوروبى أكثر ربما مما يهم أى سائح آخر.
وليس علينا سوى أن نعيد إحياء وتقديم القيمة التاريخية لمنطقة العلمين على سبيل المثال لأن فيها دارت معركة العلمين الفاصلة فى تاريخ العالم القريب، ولأن فيها مقابر جنود الحلفاء التى يمر عليها رواد الساحل فى الذهاب وفى الإياب.
فى العلمين دارت معركة العلمين بين القائد الإنجليزى الشهير مونتجمرى، وبين القائد الألمانى روميل، قائد قوات المحور، الذى اشتهر بأنه ثعلب الصحراء.. كان ذلك فى أكتوبر ١٩٤٢، وكانت فى العلمين هزيمة روميل، القادم وقتها من ليبيا فى الغرب، وعند ذلك انتهت الحرب العالمية، حتى ولو كانت النهاية الرسمية قد تأجلت إلى ١٩٤٥. لقد تحدد مستقبل العالم ومصيره فى تلك اللحظة فى منطقة العلمين، وإلا، فإن لنا أن نتصور أن قوات المحور هى التى فازت، وأن قوات الحلفاء هى التى لاذت بالفرار.. لو حدث هذا لساد الألمان والطليان العالم بعد الحرب إلى اليوم بدلًا من الولايات المتحدة، ولكانت أمريكا بصورتها الحالية بغير وجود فاعل فى كل ركن من أركان الأرض على الصورة الراهنة.
صحيح أن الغرب كان يقاتل الغرب فى العلمين، وصحيح أن ألمانيا وإيطاليا المنهزمتين غرب، وأن أمريكا المنتصرة على رأس دول الحلفاء غرب أيضًا، ولكن هزيمة الألمان والطليان فى العلمين كانت وكأنها هزيمة لأوروبا كلها، فتقدمت الولايات المتحدة وحملت لواء القيادة، وأخذت بريطانيا وفرنسا خطوة إلى الوراء رغم أنهما كانتا شريكتين للأمريكيين فى الحرب وفى النصر.. وإذا كان الاتحاد السوڤييتى قد شارك الولايات المتحدة الانتصار، ثم سار معها قدمًا بقدم بعد نصر العلمين، فإن الاتحاد كان على موعد مع الذوبان والاختفاء فى ١٩٩١، ومن بعدها تربعت أمريكا وحدها على القمة ولا تزال بكل حساب عسكرى أو اقتصادى.
هذا كله تقرر فى معركة العلمين فى الساحل الشمالى، وهذا كله وسواه من تفاصيل كثيرة لا بد أن يكون جزءًا من الترويج للساحل، لا الشاطئ ولا الفنادق ولا الأجواء هناك وفقط.. هذا كله مع غيره مما له صلة به لا بد أن يكون فى بالنا ونحن «نبيع» الساحل للسائح.. أما البيع المقصود فهو طبعًا تسويق الساحل على هذا المستوى الثقافى بالذات، لا البيع بمعنى نقل الملكية من مالك إلى مالك بعقد مكتوب.