ما يجب ألا ننساه في صخب مؤتمر أربيل

ما يجب ألا ننساه في صخب مؤتمر أربيل!

ما يجب ألا ننساه في صخب مؤتمر أربيل!

 العرب اليوم -

ما يجب ألا ننساه في صخب مؤتمر أربيل

سليمان جودة
بقلم : سليمان جودة

الظاهر أمامنا أن إطلاق مؤتمر «السلام والاسترداد» الذي انعقد في عاصمة إقليم كردستان أربيل في 24 من هذا الشهر، هو من نوع بالون الاختبار الذي يجري إطلاقه في مناسبات مختلفة، بهدف رصد ردود فعل الرأي العام على شيء محدد. يظهر هذا ويبدو واضحاً، رغم أن ردود الفعل التي جرى رصدها كانت رسمية خالصة، سواء في أربيل أو في بغداد، ولم يحدث إلى اللحظة أن جرى رصد ردود فعل على المستوى الشعبي، وربما يجري رصدها في المستقبل إذا ما أخذ الموضوع أبعاداً في دائرة أوسع، لأن الشعوب في قضية كهذه بالذات يظل لها موقف يختلف في العادة عن مواقف الحكومات.
أما السلام المقصود في عنوان المؤتمر فهو السلام في أرجاء هذه المنطقة من العالم، وأما الاسترداد فهو خاص بأملاك اليهود في العراق، ولو توقف الأمر عند هذا الحد ما كانت هناك مشكلة تقريباً، ولكن المشكلة جاءت من فقرة في بيان ختام المؤتمر دعت إلى التطبيع مع إسرائيل!
وما كادت الفقرة إياها تذاع على الناس حتى كانت الدنيا قد قامت، وحتى كان المشاركون في المؤتمر أنفسهم قد راحوا يتبرأون منه، وحتى كان الرجل الذي تلا البيان قد اعتذر، مشيراً إلى أنه لم يكن يتوقع أن تكون هذه الفقرة من بين فقراته المكتوبة.
ثم ما كاد البيان يذاع حتى كانت مذكرات اعتقال قد صدرت من القضاء العراقي في حق ثلاثة من الذين شاركوا في أعمال المؤتمر، وحتى صار الثلاثة محل ملاحقة قضائية، ومن الوارد جداً أن تتدحرج كرة الملاحقة القضائية فتضم آخرين.
وفي وسط الصخب الذي رافق صدور البيان ولا يزال، سوف يستوقفك أمران؛ أحدهما يتعلق بكلام صدر عن المتحدث باسم الحكومة في إقليم كردستان، والآخر يتصل بحديث لمستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، فكلاهما، المتحدث والمستشار، قال ما يستحق أن نتوقف أمامه في نقطة بعينها.
في الحالة الأولى أعلن المتحدث باسم حكومة الإقليم، أنها لا علاقة لها بالمؤتمر من قريب ولا من بعيد، وأنها ملتزمة بنصوص الدستور العراقي، التي تجعل عملية رسم السياسة الخارجية من الاختصاصات الحصرية للدولة الاتحادية في بغداد.
وهذا كلام من جانب المتحدث يدل على درجة كافية من الإحساس بالمسؤولية لدى الحكومة في كردستان، ويدل أيضاً على أن الحكومة في الإقليم تعرف حدود اختصاصها، وتدرك أين بالضبط ينتهي هذا الاختصاص بالنسبة لها، وأين يبدأ اختصاص الحكومة المركزية في عاصمة الرشيد.
وفي الحالة الثانية قال الأعرجي إن العراق لا يلاحق المواطنين اليهود العراقيين الذين يتمسكون بهويتهم، وإنه يحرص على التعامل معهم كمواطنين لهم كامل حقوق المواطنة... وهذا بدوره كلام مسؤول، لأنه يقدم عراقية المواطن في أرض الرافدين على ما سواها، ولأنه يجعل من المواطنة مرجعاً يساوي بين المواطنين في حقوق كل واحد وفي واجباته، من دون تفرقة على أي أساس.

وفي الحالتين يبقى الأمر نظرياً على مستوى الحكومة، وعلى مستوى مستشار الأمن القومي، إلى أن يرى العراقيون تطبيقاته العملية على الأرض، وإلى أن يكون لنص الدستور ولمبدأ المواطنة معاً، ما يجعلهما حقيقة حية في حياة أبناء العراق.
ولكن هذا كله لا يمنع أن القضية التي أثارها المؤتمر في حاجة إلى النظر إليها من زاوية أوسع في بغداد، وفي حاجة إلى معالجتها بطريقة أشمل، وفي حاجة إلى أن توضع فيها النقاط فوق حروفها، حتى لا تبقى ملفاً مفتوحاً لا تكتمل أوراقه في كل مرة يعاد فتحه فيها من جديد.
إن موقف العاصمة العراقية من المؤتمر موقف قوي، وهذا أقل ما يمكن أن يوصف به كموقف سياسي صادر عن عاصمة كبيرة مثل بغداد، ولكن السؤال يظل عن خلفيات الموقف، وما إذا كانت تستند إلى عقيدة وطنية عراقية مجردة وتصدر عنها بالفعل، أم أن لها علاقة لا نراها بما بين طهران وتل أبيب مما نعرفه ولا يحتاج إلى إشارة منا ولا إلى تذكير.
وليس في هذا بالطبع أي تشكيك في العقيدة الوطنية العراقية، فهي عقيدة لها تاريخ طويل تتكئ عليه، ولكن المحاولات الخارجية التي لا تتوقف في اتجاه الهيمنة على القرار العراقي، وفي اتجاه عدم احترام الإرادة السياسية العراقية، وفي اتجاه عدم الانتباه إلى أن العراق دولة ذات سيادة، تجعلنا كلنا ننتظر أن يكون الإعلان عن هذا الموقف القوي من المؤتمر، مقترناً بالتأكيد على عراقيته التي لا تختلط بأي هوى آخر!
هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى تنتظر قضية التطبيع مع إسرائيل، أن تقال فيها جملة مكتملة عند الخوض فيها إسلامياً وعربياً، لا أن يقال نصف الجملة مع السكوت عن النصف الآخر!
أقول هذا وفي ذهني ما قالت به حكومة «طالبان» بمجرد تشكيلها قبل أسابيع، عن أنها ستقيم علاقات دبلوماسية مع كافة العواصم في العالم باستثناء عاصمة واحدة هي تل أبيب، وهذا من حقها بالقطع كحكومة مسؤولة في كابل ترسم سياساتها وتعلنها على العالم، ولكن ينقصها أن تبرر موقفاً كهذا من جانبها، وأن تشرح أكثر فتقول إن الموقف ليس ضد إسرائيل كإسرائيل، وإنه موقف له علاقة بسياسات إسرائيل في المنطقة في العموم، وسياستها إزاء القضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
وبالقياس الذي يعرفه أهل الفقه والمنطق، فليس من المتصور أن يكون الموقف العراقي من التطبيع الذي أثاره المؤتمر موقفاً في المطلق، ولكنه في الغالب موقف مرتبط بمدى إدراك الحكومة التي تحكم في تل أبيب، أن التطبيع بينها وبين أي حكومة عربية إنما يرتب عليها مسؤوليات ويفرض عليها التزامات، وأنها إذا لم تدرك ذلك وتفهمه فلن يتجاوز التطبيع مستوى الحكومة في أي عاصمة عربية إلى مستوى الشعب.
وإذا أردنا مثالاً حياً وموقفاً طازجاً، فلن نجد أقوى من موقف اللاعب السوداني محمد عبد الرسول، الذي ذهب مشاركاً إلى أولمبياد طوكيو في صيف هذه السنة، والذي ما كاد يعرف أنه سينافس اللاعب الإسرائيلي يوتبول طاهار في بطولة الجودو، حتى كان قد سارع إلى الانسحاب، ومن بعده فعل الشيء نفسه لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين فانسحب!
وقد حدث هذا علناً، ولم يستطع أحد أن يُثني عبد الرسول عن موقفه، رغم أن بلاده كانت قد أطلقت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل نهاية السنة الماضية، ورغم أن خطوات إطلاق العلاقات بين البلدين لا تزال ماضية في طريقها إلى غايتها.
لو سألني لاعب السودان رأيي، لقلت له إنه كان عليه ألا ينسحب، وكان عليه أن ينافس إلى النهاية، وكان عليه أن يقول من خلال المنافسة ومن خلال البقاء فيها، إنه قادر على أن ينافس، وإنه قادر ليس فقط على أن ينافس، وإنما قادر أيضاً على أن يغالب فيغلب، وكذلك الأمر بالطبع مع نورين!
ولا بد أن حالة عبد الرسول ونورين ليست فريدة من نوعها، فهناك مثلها الكثير من جانب أفراد عرب في أكثر من محفل دولي، وليس مطلوباً من كل حكومة عربية ترغب في إطلاق علاقات لها مع إسرائيل، سوى أن توظف هذه الحالات، وسوى أن تقايض بها في ملف العلاقات المطلوب إطلاقها، لعل الطرف الآخر يفهم أن التطبيع ليس بالمجان، وهذا في الإجمال هو درس مؤتمر أربيل، الذي يجب ألا يتوه من بغداد في صخب الملاحقات الثلاث!

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما يجب ألا ننساه في صخب مؤتمر أربيل ما يجب ألا ننساه في صخب مؤتمر أربيل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:50 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
 العرب اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab