مقال أثار أزمة في «المحروسة»

مقال أثار أزمة في «المحروسة»

مقال أثار أزمة في «المحروسة»

 العرب اليوم -

مقال أثار أزمة في «المحروسة»

بقلم - سليمان جودة

 

 

ذات يوم في منتصف التسعينات، دعا الدكتور علي السمان إلى عشاء في بيته، وجاء إلى العشاء الأستاذ محمد حسنين هيكل، والأستاذ جمال بدوي، رئيس تحرير جريدة «الوفد» في ذلك الوقت، وجاء معهم بالطبع آخرون إلى بيت الدكتور السمان الذي يطل على النهر الخالد، والذي يقع على مرمى حجر من بيت السادات.

ودار بين الحاضرين حوار حول القضايا العامة التي يتكلم فيها الناس، وكان من بينها جدل كبير ثار وقتها حول مؤتمر كان قد دعا إليه الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع، مدير «مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية»، وكان عنوان المؤتمر: «الأقليات في العالم العربي».

وأبدى هيكل رأيه في الموضوع، وقال إن لديه وجهة نظر مختلفة عما سوف يطرحه المؤتمر الذي كان يتطلع إلى الأقباط باعتبارهم أقلية في مصر. وأنصت إليه جمال بدوي، ودعاه إلى كتابة وجهة نظره في مقال تنشره جريدة «الوفد». ولم يُكذّب هيكل خبراً، فكتب المقال بالفعل، ثم أرسله إلى رئيس تحرير «الوفد» ليأخذ طريقه إلى النشر.

كان عنوان المقال: «الأقباط ليسوا أقلية»، وكان كاتبه يريد أن يقول إن الأقباط ليسوا أقلية بمفهوم الأقليات الشائع في أنحاء العالم، وأنهم إذا جاز أن يكونوا أقلية من ناحية العدد، عند المقارنة بأعداد المسلمين في البلد، فإنهم ليسوا أقلية بأي معيار آخر. كما أن العدد وحده لا يصلح لتصنيفهم أقلية؛ لأن ما تعرفه الأقليات في شتى الدول لا يعرفه الأقباط في «المحروسة»، ولأن للأقليات في كل مكان أشياء يعرفهم الناس بها، ولا تتوفر في حالة الأقباط.

وكانت هذه حقيقة يعرفها الذين يعيشون في القاهرة، وفي أي محافظة خارج القاهرة؛ لأنك في الحالة المصرية لا تستطيع أن تقول إن القبطي يعيش هنا في هذا المكان المنعزل، وإن المسلم يعيش هناك في مكان آخر مجاور له، أو في مكان ثالث بعيد.

هذا غير حاصل، وإنما يعيش الجميع بعضهم مع بعض، ويمارسون الحياة بكل أنشطتها معاً، وكما قيل: الشيء الوحيد الذي يميز هذا عن ذاك، أن المسلم يذهب إلى الجامع آخر الأسبوع لأداء صلاة الجمعة في موعدها، وأن القبطي يقصد الكنيسة يوم الأحد ليشهد قداس الأحد في مكانه وفي موعده أيضاً، وفيما عدا ذلك لا يمكنك أن تميز بين الاثنين، ولا أن تنظر إلى أيهما فتقول: هذا كذا وذاك كذا. لا يمكنك، ولو حاولت في كل المرات.

وقريب من هذا المعنى ما كان البابا شنودة الثالث، بابا الكنيسة المرقسية الأرثوذكسية، يردده ويقول: «مصر وطن يعيش فينا قبل أن نعيش فيه».

وعلى هذا الأساس نسج هيكل المقال وأرسله، ولسبب ما، فإنه اختار أن يصوغه في شكل رسالة منه إلى رئيس التحرير، وكأنه كان يشعر بأن المقال لن يرى النور على صفحات «الوفد»، أو كأنه كان يتحسب لشيء كان يحس به بينه وبين نفسه، أو كأنه كان يرغب في ألا يثير غضب الناصريين، إذا ضبطوه متلبساً بالنشر في «الوفد» ذات التوجه الليبرالي المعروف.

في الغالب، كان يشعر بأن أصدقاءه الناصريين سوف يلومونه، وفي الغالب كان سيرد عليهم ويقول إنه أرسل خطاباً إلى رئيس تحرير الجريدة، ولم يكتب خطاباً موجهاً إلى القارئ بشكل صريح، ولذلك بدأ المقال بهذه العبارة: «عزيزي جمال بدوي».

كان من المقرر أن يتم النشر في العدد الأسبوعي من الجريدة الذي يصدر يوم الخميس من كل أسبوع، وقد صدر عدد الجريدة في اليوم السابق، وفي صدر صفحته الأولى إشارة إلى المقال الذي سيُنشر في اليوم التالي، والذي سيكتبه فلان، والذي يحمل عنواناً يقول كذا.

يومها، أذكر أنني قابلت الدكتور غالي شكري بالصدفة، فوجدته لا يصدق أن تنشر «الوفد» مقالاً لهيكل على صفحاتها، وسألني عما إذا كان المقال سوف تنشره الجريدة بالفعل، فقلت إن التنويه للمقال منشور في صدر الصفحة الأولى، ولا معنى للتساؤل عما إذا كان النشر سيتم من عدمه، ولأن حديثي مع شكري كان ظُهر الأربعاء، فلم يكن بيننا وبين خروج المقال إلى النور سوى ساعات.

وصدر عدد الخميس خالياً من المقال، ولا كان حتى يضم اعتذاراً عن عدم النشر، وراح الذين انتظروا يتساءلون، وصار الموضوع حديث مصر كلها. وكان رئيس تحرير «الوفد» قد سافر في رحلة خارجية مع الرئيس حسني مبارك، فلم يكن الاتصال به متيسراً، ولا كان أحد يعرف ماذا جرى، ولا لماذا جرى رفع المقال من الصفحات في اللحظة الأخيرة؟

لاحقاً، تبين أن فؤاد سراج الدين باشا، رئيس «الوفد»، هو الذي طلب رفع المقال، وقد حدث هذا بعد أن جاءته اعتراضات واسعة من الوفديين يتساءلون عما إذا كان من المناسب أن تنشر «الوفد» الليبرالية مقالاً لهيكل الناصري؟

الغريب أن سراج الدين لما سألوه في الصحافة عن سبب عدم النشر، تحدث عن أن المادة التي أرسلها هيكل للجريدة مجرد رسالة لرئيس التحرير، وليست مقالاً يمكن نشره بعيداً عن هذا الإطار. فكأن ما كان صاحب المقال يتحسب له فيصوغ مقالته على شكل رسالة لرئيس التحرير، هو نفسه ما استند عليه الباشا في التعلل بعدم النشر!

في 29 من الشهر الماضي، مات الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي كان سبباً في إثارة هذا الموضوع كله من أوله، فتقاطرت هذه المعاني أمامي، فليرحمه الله وقد انتقل إلى العالم الآخر، فما أكثر ما كان يثير من الجدل، ومن الأفكار، ومن القضايا في الشأن العام.

لم يكن اعتراض الباشا على مقال هيكل في حد ذاته، ولا كان في المقال ما يحول دون نشره عموماً، بدليل أنه وجد طريقه إلى النشر كاملاً صباح الجمعة في «الأهرام»!

arabstoday

GMT 04:44 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

بحر الكعبة

GMT 04:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

GMT 03:27 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

مشروع إنقاذ «بايدن»!

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

ما تحمله الجائزة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقال أثار أزمة في «المحروسة» مقال أثار أزمة في «المحروسة»



 العرب اليوم - هنية يؤكد أن أي اتفاق لا يضمن وقف الحرب في غزة "مرفوض"

GMT 21:31 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

الحوثيون يعلنون استهداف ناقلة في بحر العرب
 العرب اليوم - الحوثيون يعلنون استهداف ناقلة في بحر العرب

GMT 00:37 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح
 العرب اليوم - أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح

GMT 14:29 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

الإفراط في تناول الفلفل الحار قد يُسبب التسمم

GMT 00:29 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

نعم لغزة وفلسطين ولا للميليشيات

GMT 03:16 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

جولة في مطار بيروت لتفنيد تقرير تلغراف

GMT 06:07 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

الأهلي يعلن فوزه في مباراة القمة رسميًا

GMT 15:54 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

غوغل تجلب الذكاء الاصطناعي إلى طلاب المدارس

GMT 14:45 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

أسماك القرش تُودي بحياة ممثل أميركي في هاواي

GMT 07:46 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إصابة خطيرة لفارغا لاعب منتخب المجر في يورو 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab