بقلم : سليمان جودة
الهجوم الذى قالت إسرائيل إنها استهدفت به إيران فجر أمس هو رابع مواجهة بين البلدين خلال فترة لا تزيد على ستة أشهر!.ففى أول شهر إبريل استهدفت تل أبيب القنصلية الإيرانية فى دمشق فدمرتها، وفى منتصف الشهر نفسه قادت طهران هجومًا على سبيل الرد، فكان ولا يزال هجومًا تليفزيونيًّا استعراضيًّا أكثر منه هجومًا يدمر أهدافًا أو يوجع بلدًا!.
وفى أول أيام أكتوبر قامت إيران بهجوم على أهداف فى إسرائيل، وكان الهجوم ردًّا على اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصرالله وغيرهما بأيدٍ إسرائيلية، ولما كان لا بد أن ترد إسرائيل، فإنها ظلت من أول أكتوبر إلى فجر الأمس تقول إنها تجهز الرد، واستيقظ العالم فى الصباح على هجوم إسرائيلى قيل إن مائة طائرة شاركت فيه!.
وقبل هجوم الأمس، كان الرئيس الأمريكى جو بايدن قد دعا الإسرائيليين إلى تجنب استهداف منشآت نووية أو بترولية فى إيران.. وهذا فيما يبدو هو ما التزمت به الحكومة الإسرائيلية تمامًا، فقالت إن هجومها كان على أهداف عسكرية.. وفى المرات الأربع بدا الهجوم وكأنه استعراض أكثر منه هجومًا حقيقيًّا مما تعرفه الدول المتحاربة، اللهم إلا هجوم القنصلية الذى نسفها بالكامل.
كان الأمر استعراضًا لأن إيران أعلنت بعد هجوم الأمس بساعتين استئناف جميع رحلات الطيران من وإلى البلاد، وقال محمد رضا عارف، نائب الرئيس الإيرانى، إن الأضرار الناجمة عن الهجوم محدودة، وإن قوة بلاده تجعل أعداءها عاجزين عن النَّيْل منها، وإن الجيش الإيرانى تعامل مع الهجوم وقام بصد الهجمات وتعامل معها بنجاح.. وهكذا نجد أنفسنا أمام عبث يتواصل أمام أعيننا، ونجد أن ما يتم فى كل مرة أقرب إلى التهويش منه إلى أى شىء آخر.
ويخطئ العرب لو تصوروا أن إسرائيل يمكن أن تستهدف إيران بشكل جاد، أو أن إيران يمكن أن تستهدف إسرائيل بما ينال من قدراتها بطريقة حقيقية.. فكلتاهما تلعب فى الإقليم.. وكلتاهما تتحرك على أساس اقتسام الإقليم واستنزاف طاقاته، لا استنزاف الطاقة الإسرائيلية أو الإيرانية.. وكلتاهما تعمل على هذا الأساس وبرعاية أمريكية معتمدة وكاملة.
قد يبدو لنا مما نتابعه بينهما أن الحرب التى عشنا نعرفها قد فقدت هيبتها.. فما هكذا تكون الحروب.. ولكن الحقيقة أن ما نتابعه متفق عليه، ولا أَدَلَّ على ذلك إلا أن الضحايا فى المواجهة بين الطرفين هُم عرب، سواء كانوا فى لبنان أو فلسطين أو سواهما، وإذا تصورنا غير ذلك فإننا لا نرى ملامح الحاصل فيما وراء الستار على مسرح الإقليم.