الشاطئ هو الشاطئ ولكن الأمر اختلف

الشاطئ هو الشاطئ ولكن الأمر اختلف

الشاطئ هو الشاطئ ولكن الأمر اختلف

 العرب اليوم -

الشاطئ هو الشاطئ ولكن الأمر اختلف

بقلم - سليمان جودة

من 15 سنة نشأ اتحاد في باريس برئاسة مصرية فرنسية مشتركة، وكان اسمه ولا يزال: «الاتحاد من أجل المتوسط».

كانت النشأة في 2008، وكانت رئاسته عند بدايته مشتركة بين الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وكان الاتفاق في البداية على أن يضم دول الشاطئ الشمالي للبحر المتوسط مع دول الشاطئ الجنوبي، ولكن سرعان ما توسعت دائرته شمالاً لتضم كل دول الاتحاد الأوروبي، لا دول أوروبا الواقعة على البحر وحدها، وكانت ألمانيا هي التي قادت الدعوة إلى توسيع الدائرة.

وكان من الواضح أن الألمان لم يعجبهم أن ينفرد الفرنسيون بالموضوع، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، حتى صار لهم مقعد في الاتحاد شأنهم شأن الفرنسيين. ولم تشأ ألمانيا أن تأتي وحدها، فجاءت وفي يديها بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي. وأصبح «الاتحاد من أجل المتوسط» يضم 27 دولة، هي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومقره في بروكسل، ومعها 15 دولة هي الدول التي تطل على الشاطئ الجنوبي للبحر.

وقد قيل كلام كثير عما يُراد من وراء «الاتحاد من أجل المتوسط» الذي يتخذ من برشلونة مقراً له، فقيل إن أمن البحر المتوسط بشاطئيه هو الهدف، وقيل إن دوافع اقتصادية مشتركة هي الغرض من وراء التأسيس، وقيل إن مزيداً من التنسيق السياسي هو المراد في النهاية بين شاطئين لا يفصل بينهما كثير من المسافات.

ورغم الكثير الذي كان يقال عن الأهداف في العلن، فإن كلاماً آخر كان يقال وقتها همساً. وكان موضوعه أن الأمن إذا كان هاجساً وراء التفكير في الاتحاد فهذا صحيح، وأن الدوافع الاقتصادية إذا كانت حاضرة وراء نشأته فهذا أيضاً صحيح، وأن الرغبة في التنسيق السياسي المضاف إذا كانت كامنة هناك في الخلفية البعيدة، فهذا كذلك صحيح لا شك فيه. ولكن الأصح من كل ذلك هو الطاقة الشمسية التي تتوفر بكثرة على شاطئ البحر في الجنوب، ولا تكاد توجد على الشاطئ الآخر في الشمال، إلا في أوقات متناثرة على طول السنة.

وقد جاءت مؤشرات في مرحلة لاحقة تقوِّي هذا الاحتمال غير المعلن عنه وتقوِّيه؛ لأن أوروبا لا تزال تبحث في طريق الطاقة النظيفة وتفتش، ولأن هذه النوعية من الطاقة متوفرة بقوة في الشاطئ الأفريقي من البحر بالذات. ونحن نعرف أن المغرب برعت في إنتاج هذا النوع من الطاقة، وأنشأت محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في منطقة ورزازات، وهي محطة كانت -ولا تزال- توصف بأنها من بين الأكبر من نوعيتها في العالم، وعندما بدأت عملية الإنتاج فيها قيل إن ذلك سوف يجعل من المغرب: قوة شمسية عظمى.

وإذا كان الحديث قد خف وتراجع عن الاتحاد وعن مهمته، فلا تعرف ما إذا كانت الرغبة الأوروبية في الحصول على الطاقة الشمسية الأفريقية قد تراجعت هي أيضاً، أم أنها قائمة ومستمرة همساً، وبعيداً عن العلن كما كانت قد بدأت. لا تعرف، ولكن ما نعرفه أن الطاقة هي الحياة نفسها، وما دامت هناك حياة فالحاجة إلى الطاقة بكل أنواعها لا تتوقف.

ولكن إذا كانت هذه هي حال الشاطئ الشمالي للبحر مع الشاطئ الجنوبي في العقد الأول من القرن عندما نشأ الاتحاد، فالحال بين الشاطئين في العقد الثالث من القرن قد اختلف، وهذا ما يستطيع المتابع أن يراه بالعين المجردة.

فالشاطئ الجنوبي الذي كان مطمعاً بوصفه مصدراً للطاقة في 2008، صار هاجساً للخوف في 2024 وما قبلها من سنوات قريبة، وكان ذلك عندما انقلب من شاطئ يمكن أن ينتج الطاقة الشمسية، إلى مكمن للخطر يقذف بآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين تنشق عنهم الأرض وراء الشاطئ يوماً بعد يوم.

ولم تعد القضية قضية طاقة نظيفة يمكن أن تخرج منه، بقدر ما أصبحت قضية هجرة خارج إطار القانون، وخارج حدود القدرة الأوروبية على التحمل من الناحية الاقتصادية، ثم من كل ناحية وعلى كل مستوى من بعد الاقتصاد.

ولا يكاد مسؤول أوروبي يطير فوق البحر المتوسط قادماً إلى عاصمة من عواصم دول الجنوب هذه الأيام، إلا وتكون قضية الهجرة البند الأول على جدول أعماله خلال الزيارة، وإلا ويكون قد حمل معه من الإغراءات المادية ما يتصور أنها يمكن أن تمنع الهجرة غير الشرعية، أو على الأقل تضع لها سقفاً لا تتجاوزه في حركتها تجاه الشمال.

كان الله في عون هؤلاء المهاجرين الذين يجدون أنفسهم بين شقي رحى، فلا بلادهم في الجنوب تستوعبهم أو تتيح لهم ما يغريهم بالبقاء على أرضها، ولا الدول التي يقصدونها في الشمال تفتح لهم أذرعها كما كانت تفعل في وقت سابق، فكأنهم صاروا وقوداً لمعركة ليسوا طرفاً فيها، ولا طاف في خيالهم أن يدخلوها، فضلاً –بالطبع- عن أن يكونوا حطباً لها.

هل كان الإنجليزي توماس روبرت مالتوس يتنبأ بشيء من هذا، وهو يضع نظريته الشهيرة عن عواقب الزيادة في السكان التي لا تجاريها زيادة في الموارد حول العالم؟ ربما يكون قد تنبأ، وربما يكون قد قصد أن ينبِّه العالم.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشاطئ هو الشاطئ ولكن الأمر اختلف الشاطئ هو الشاطئ ولكن الأمر اختلف



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab