بقلم - عبد المنعم سعيد
السؤال الذى لا يكف عن الإلحاح فى مصر هو هل يمكن تحقيق التقدم فيها؟ جماعة منا ترى أن ذلك مستحيل «لأنهم لن يسمحوا لنا بذلك» وهى مقولة شائعة إن مصر من الأهمية والثروة بحيث إن الدول العظمى والكبرى لن تسمح بميلاد قوة عظمى أخرى. جماعات أخرى ترى أن ذلك لن يتحقق مادام هناك نقص فى الإيمان أو الثورة أو الفكر الذى يحرر عقائد البناء والإبداع، وجماعات ثالثة ترى أن مصر فقيرة بطبيعتها الصحراوية حيث تندر الثروة ويشتد الكسل ويقل العزم. ولكن السؤال هو لماذا تكون مصر مختلفة عن أكثر من مائة دولة انتقلت بالفعل من التخلف والفقر إلى الغنى والتقدم. وللحقيقة فإن التقدم التكنولوجى يعمل لمصلحة الدول المتأخرة ويظهر فى تراجع الفقر والجهل والمرض، ولم يحدث ذلك فى الصين والهند وحدهما، حيث تخرج أكثر من مليار نسمة من دائرة الفقر والجهل والتخلف إلى دائرة التقدم، ولكن ذلك حادث باتساع الكون بأسره فى دول مثل منغوليا وموزمبيق وبنجلاديش والبرازيل والمغرب.
والحقيقة أن مصر لديها من الفرص ما لا يقل عن كل هؤلاء ليس فقط لما أعطاها التاريخ والجغرافيا من تراكم حضارى، وموقع متميز، وإنما لأن ثرواتها الكبرى لم تستغل بعد. مصر لا تستغل أكثر من ١٤٪ من مساحتها وهى لا تزال بكرا من الناحية الاقتصادية. وبينما الجيل الأول من الدول المتقدمة ذهب لاستكشاف الفضاء الخارجى باحثا عن ملامح للحياة فى كواكب وأقمار «قريبة»، فإن مصر لا تزال تستكشف تاريخها الذى يظهر يوما بعد آخر أن ما نعرفه عن مصر أقل بكثير مما لا نعرفه. ولحسن الحظ أن الزمن حقق بعضا من التقدم فى هذا الاستكشاف، وفى الوقت الراهن فإن سواحل البحر الأحمر والأبيض وسيناء باتت معروفة للمصريين أكثر من أى وقت مضى، والصحراء الغربية الشاسعة بواحاتها لم تعد ذلك المحيط المجهول والموحش الذى يخاف المصريون من الولوج إليه خشية وخوفا.