خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ

خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ!

خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ!

 العرب اليوم -

خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ

بقلم : عبد المنعم سعيد

الذكريات جزء مهم من اهتمامات الصحافة العالمية، خاصة لو كانت دامية، وتشير إلى صراع فلسطينى إسرائيلى تحدى الزمن، وظل يأخذ أشكالًا مختلفة خلال أكثر من قرن. القصة بدأت فى ٥ سبتمبر ١٩٧٢ عندما قامت جماعة من تنظيم سبتمبر الأسود الفلسطينية باختراق القرية الأوليمبية فى مدينة ميونيخ الألمانية، حيث كانت تجرى أحداث الدورة الأوليمبية آنذاك، وخطفت تسعة من الرياضيين الإسرائيليين، بعد قتل اثنين من المدربين. طالبت الجماعة بإطلاق سراح ٢٣٦ سجينًا فلسطينيًّا فى السجون الإسرائيلية، واثنين من قادة جماعة «بادر ماينهوف» اليسارية الإرهابية الألمانية. كان الحدث تحت مرأى ومسمع العالم، حيث بات التقدم التكنولوجى يسمح بنقل التراجيديا كلها صوتًا وصورة مباشرة إلى ٩٠٠ مليون مشاهد. ودون الدخول فى كثير من التفاصيل والوقائع، التى جرَت تغطيتها على مدى نصف القرن صحفيًّا وتليفزيونيًّا وسينمائيًّا كذلك، حيث بدأت برفض إسرائيل الإفراج عن المطلوبين، وفشل قوات الأمن الألمانية فى التعامل مع الموقف، وقتل الرهائن التسعة، مع رجل شرطة ألمانى، بينما نجح ثلاثة من الفلسطينيين فى الهرب، وجرى القبض عليهم بعد ذلك. وخلال الفترة من ٧ سبتمبر ١٩٧٢ حتى ١٩٧٩، قامت المخابرات الإسرائيلية، التى كوّنت فرقة خاصة بالاغتيالات، بتصفية كل الفلسطينيين الذين كانت لهم صلة من قريب أو بعيد بحادث ميونيخ. ومن الجدير بالذكر أن تنظيم سبتمبر الأسود جرى تكوينه فى أعقاب الصراع بين السلطات الأردنية والقوات الفلسطينية، والذى أرادت فيه الأردن أن تستعيد سيطرتها على الأراضى الأردنية، وانتهى الأمر بإجلاء الفلسطينيين المقاتلين من الأردن، حيث ذهب أغلبهم، بمَن فيهم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، إلى لبنان. وهناك جرى تكرار ما حدث من قبل فى الأردن، حيث انفلت عيار المقاتلين تحت راية المقاومة، حتى تسلمها منهم حزب الله، وجرى طردهم من لبنان.

ما جرى كان فصلًا مريرًا من تاريخ القضية الفلسطينية، ليس بما لطخها من سمعة «إرهابية»؛ وإنما أكثر من ذلك الفشل الفلسطينى الدائم فى إقامة علاقة صحية بين السياسة اللازمة لتحقيق الأهداف الفلسطينية فى التحرير والاستقلال وإقامة الدولة، واستخدام السلاح المنضبط بقيادة موحدة تعبر عما سوف تكون عليه الدولة الفلسطينية عند قيامها. وفى عالم اليوم، فإن حركة التحرر الوطنى الفلسطينية بقيت من بين حركات التحرر الوطنية التى جرَت فى العالم دون تحقيق أهدافها حتى اليوم. وعندما اقتربت كثيرًا من تحقيق هذا الهدف فى أعقاب التوقيع على اتفاقيات أسلو، التى أتاحت، لأول مرة فى التاريخ الفلسطينى، وجود سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية؛ فإن قوى فلسطينية- حماس- بذلت جهدًا فائقًا لإفشال هذا الإنجاز من خلال عمليات انتحارية جرَت، بينما المفاوضات تسعى إلى انسحاب إسرائيلى آخر.

كان جيلنا شاهدًا على بداية المقاومة الفلسطينية مع انطلاق حركة فتح فى أول يناير عام ١٩٦٥، وما تلاها من إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية. وحينما جرَت هزيمة يونيو ١٩٦٧ كانت عمليات العاصفة تقدم درسًا فى النضال يشبه ذلك الذى جرى من قبل فى الجزائر، خاصة بعد الدفعة التى أعطاها انضمام فتح وعدد من المنظمات الأخرى إلى المنظمة تحت قيادة ياسر عرفات. ولكن ما أدهشنا وقتها أن المقاومة الفلسطينية كانت تحارب إسرائيل تحت رايتين: راية فتح وعَلَم الجبهة الشعبية. لم نفهم وقتها لماذا كان الانقسام إذا كان العدو واحدًا والسبيل إلى تحرير فلسطين متماثلًا. ولكن لم يمضِ وقت حتى كثرت الحيرة، إلى الدرجة التى باتت فيها عبثية حينما انقسمت الجبهة الشعبية وخرجت منها «الجبهة الديمقراطية»، وبعد ذلك جاءت «الصاعقة»، وغيرها الكثير. كانت المزايدة بين الجميع سائدة، فالجميع يصف الجميع أيضًا بأنه يسعى إلى تصفية القضية أو أنه لعبة فى يد طرف دولى أو إقليمى أو قوى مجهولة متفرغة لتصفية القضية الفلسطينية.

ورغم كل الأسى من الفرقة الفلسطينية، فإن ظروف السبعينيات من القرن الماضى كانت مشجعة، حيث جرَت حرب أكتوبر فى جانبها العسكرى والآخر النفطى؛ وحملت القوة العربية ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة لكى يلوح بغصن الزيتون والبندقية. الشخصية الدولية لمنظمة التحرير لم تحقق التجمع والوحدة حولها، الأكثر من ذلك أن المنظمة فى النهاية وقفت دومًا فى الجانب الخطأ من الحصول على الحقوق المشروعة. وقفت معارضة لمبادرة الرئيس السادات للسلام، وهو الذى طرح القضية أمام العالم والكنيست الإسرائيلى؛ وحينما قامت العراق باحتلال الكويت فإنها وقفت إلى جانب صدام حسين فى مواجهة التحالف العربى الدولى من أجل تحريرها. وفى كل أحوال التوترات السياسية والعسكرية التى جرَت بين الدول العربية وإيران وتركيا كانت الأغلبية فى النخبة السياسية الفلسطينية واقفة مع الجانب الآخر.

فى كل مراحل السعى نحو تحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كانت هناك أولًا المزايدة المستمرة من قِبَل طرف فلسطينى على الآخرين؛ وثانيًا كانت هذه الأطراف جميعها متناقضة فى كل الأمور المتعلقة بالقضية سواء فى تحديد السياسة الخارجية أو تعريف الأمن القومى، ونجحت واحدة منها «حماس» فى تحقيق انفصال جغرافى بين الضفة الغربية وغزة بانقلاب على السلطة الوطنية. يوم حدث هذا كان النضال الوطنى الفلسطينى كله قد وصل إلى طريق مسدود لأنه لم يعد يجمع الفلسطينيين سوى كراهية إسرائيل والإسرائيليين، وما عدا ذلك كان الاختلاف فى كل شىء. وعلى ذات الطريق استطاعت إسرائيل أن تتوسع بالمستوطنات فى الضفة الغربية، وفى القدس، التى باتت عاصمة لدولة إسرائيل، وسط تأييد دولى متزايد.

الفلسطينيون الآن مدعوون إلى القيام بما قامت به كل دول العالم فى أوقات حرجة، وهو المراجعة لتاريخ النضال الوطنى الفلسطينى، ليس فقط من أول مذبحة ميونيخ، التى لطخت هذا النضال بالإرهاب، وإنما فيما قبل ذلك، حتى فى أوقات التكوين الأول لوجود إسرائيل، حيث كانت الحظوظ والأقدار متساوية. كان الفارق دائمًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو أن الأولين عرفوا فكرة التدرج فى المطالب والحصول على الممكن منها، كما عرفوا أن ما حصلوا عليه كان يتحول إلى مؤسسات طويلة العمر عالية الأهداف، كما عرفوا فى الوقت المناسب ضرورة وحدة السلاح مع السياسة. عكس ذلك تمامًا كان ما سار عليه الفلسطينيون، حيث سيطرت عليهم العبارة والكلمة والمزايدة والمناقصة وفقدان الحلفاء أو ضعف تأييدهم. ما بقى لهم حقيقة تاريخية، وهى الرابطة العربية، التى لفلسطين فيها هوى، ولكن الهوى ليس كافيًا للتضحية بمصالح شعوب ومستقبل دول.

ولديهم أنفسهم حيث يقيمون فى الضفة الغربية وغزة، حيث لا دولة سوف تقوم ما لم تتم فيها وحدة السياسة والسلاح فى يد سلطة واحدة. ولديهم على الجانب الآخر من التل أولًا فلسطينيون آخرون باتوا يعرفون كيف يتعاملون مع إسرائيل؛ وإسرائيليون تتنامى مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية مع فلسطينيين فى الداخل، وعرب فى الخارج. وباختصار، لا ينبغى أن يكون لحماس وحركة الجهاد الفلسطينى حق الفيتو على القضية الفلسطينية.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab