إدارة العلاقات الإقليمية 12

إدارة العلاقات الإقليمية (1-2)

إدارة العلاقات الإقليمية (1-2)

 العرب اليوم -

إدارة العلاقات الإقليمية 12

بقلم - عبد المنعم سعيد

ليس من السهل الحديث عن «التحالفات» فى المنطقة العربية والشرق أوسطية؛ ومن وقت لآخر نكتشف أن ما يبدو من تآلفات وثيقة، فإنها سرعان ما تتعرض لهزات تتراوح ما بين طنين الفراشات وحتى زئير الزلازل. ونقطة البداية فيها توجد فى داخل دول المنطقة ذاتها، حيث تكون الدولة الوطنية فى حالة اعتزاز وفرقة ناجمة عن عصبيات وقبائل وانقسامات عرقية متعددة الأشكال تكون مستبدة بالسياسة فى دول طال زمن وجودها على الساحة الدولية مع كل شروط «السيادة» والعضوية فى الأمم المتحدة وباقى المنظمات العالمية. العراق وسوريا ولبنان أمثلة ظاهرة للعيان، فلم يُغْنِ وجود الدولة عن حالات من العنف والحرب الأهلية. ومن عمق الانقسام تحدث استحالة وضع الدساتير، وأحيانًا اختيار رئيس للدولة أو تشكيل حكومة تدير البلاد. المدهش أن الانقسام يمكن أن يحدث حتى قبل قيام الدولة المستقلة ذات السيادة، التى يحلم بها جميع الأطراف الداخلية، والمثال الحى على ذلك يقع فى الحالة الفلسطينية، حيث يوجد السعى فى اتجاه الدولة المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية فى ناحية، وتواجد كيانين سياسيين كلاهما مسلح فى غزة والضفة الغربية من ناحية أخرى. وأكثر من ذلك أن هناك داخل كل منهما منازعة على امتلاك السلاح، ومنافسة على القرار السياسى، حيث نجد تنظيم الجهاد «الإسلامى» يتخذ من قرارات الحرب والسلام ما لم يتم التوافق بشأنه مع السلطة الوطنية الفلسطينية فى رام الله، وهى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى فى الأعراف العالمية، ولا مع تنظيم حماس الحاكم فى غزة.

.. وفى بلدان عربية عدة فإنه فى اللحظات «الثورية»، التى ينفض فيها العقد وتعود فيه السلطة السياسية إلى الجماهير، فإن الثوار عادة ما ينفض سامرهم بسرعة، وكثيرًا ما ينسون لماذا نزلوا إلى الميدان فى المقام الأول. تجربة ما سُمى «الربيع العربى» شاهدة على هذه الحالة الانقسامية، وحتى فى دولة قومية بامتياز مثل مصر، فإن الجماعة التى اجتمعت فى ميدان التحرير لم يوجد ولم يتكون بينها برنامج مشترك يتجاوز «إسقاط النظام»، وعندما أُتيحت لهم الفرصة للانتخابات تولدت عنهم أعداد هائلة من الأحزاب والتنظيمات، التى كانت النتائج التى حصلت عليها ساعة التصويت مزرية ومخجلة.

ولكن مثل ذلك يدل على قوة الدولة الوطنية فى المثال المصرى، حيث تبخرت الحالة الثورية للشباب، وحتى من بعدها الحالة الفاشية للإخوان المسلمين بسرعة شديدة؛ وفى الحالتين فإن الوحدة الوطنية عبرت بسرعة انقسامات دينية كان من الممكن فى بلد آخر أن تقود إلى صراعات لا تُغتفر.

فى واشنطن كان العجب شديدًا داخل إدارة أوباما عندما تعرضت لضغوط شديدة لإنقاذ أقباط مصر، ولم يكن أمامها لدفع هذه الضغوط إلا التأكيد على أنها لا تستطيع فعل شىء مادامت الكنيسة القبطية تتخذ موقف الوحدة الوطنية والاتحاد مع بقية المصريين تحت مظلة الجيش الوطنى المصرى. مثل ذلك لا ينبغى له أن يثير عجبًا، حيث كانت مصر دائمًا وحدة سياسية مندمجة فى ذاتها بين طوائفها وبين جهاتها المختلفة من خلال هوية «مصرية» دخلت فى النسيج الجينى لجميع المصريين. وإذا كانت مصر تقدم مثالًا لعبت فيه عراقة التاريخ دورًا مهمًّا، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهى التى قامت على توافقات إمارات سبع، قامت من ناحية على الفيدرالية السياسية، ولكن الأهم من ذلك أنها قامت على أكتاف مشروع مدنى حداثى سرعان ما ظهر تأثيره على نمو البحرين وقطر كدولتين وطنيتين منفصلتين لكل منهما مشروعها الخاص، وكلتاهما كان مفترضًا أن تكون مشاركة فى اتحاد تساعى، ولكن ظروف التاريخ لم تسمح. السعودية كان لها مشروعها الوطنى الخاص القائم على توحيد شبه الجزيرة العربية، وهو الذى جرى تحت رايات الأسرة السعودية والوهابية فى مرحلة، والأسرة والحداثة والمشروع الوطنى فى المرحلة الحالية. ولكن فى الحالتين فإن التماسك الوطنى للدولة كان له السيادة، وعندما اكتمل فى إطار جيل جديد من الشباب فإن الإصلاح صار ثورة كبيرة تصهر ولا تكسر كما جرى فى مناطق أخرى.

أمثلة الدول العربية التى قامت على مشروع وطنى ليست قليلة، وتوجد فى عُمان والكويت وتونس والجزائر والمغرب والأردن؛ وعكسها يوجد فى دول أخرى نفخ فيها سوس الفرقة العرقية أو الطائفية أو الجهوية، وأمثلتها قائمة فى سوريا والسودان واليمن وليبيا. ولكن هذه الفرقة ما بين الدول التى اكتمل فيها المشروع الوطنى، وتلك التى لا تزال تسعى مترددة إلى ذلك فى طريق ممتلئ بالأشواك والعقبات، تجعل التآلف فضلًا عن التحالف عصيًّا على الوجود. ولكن ما يهمنا هنا هو أنه رغم هذه الخلطة من الدول، فإنها لا تُغنى عن الضرورة، التى تفرض فى العالم المعاصر لوجود أشكال من التعاون، فلا يمكن إغفال حقائق تراجع العولمة، وتقلص دور القيادة الأمريكية للدنيا بأسرها، والصراعات الجارية فى أوكرانيا، والتوترات الحادثة فى بحر الصين الجنوبى؛ وتسارع التقدم التكنولوجى؛ والنتائج المزعجة لتغير المناخ، بل انفجارات زلازل لا تكون فيها رحمة من واقع بائس، فالحقيقة التى لا مناص منها أنه قد بات على الدول الوطنية وأقاليم العالم المختلفة أن تعتمد على نفسها، بعد أن تعرضت وحدة العالم الذى لم يعد قرية صغيرة لكثير من التقسيم والأوجاع.

التجربة العربية فى البناء الإقليمى لم تكن سعيدة بالمرة، ورغم أنها بدأت بتصورات طموحة عندما جرى إنشاء الجامعة العربية، فإن حالة العالم والحرب الباردة فيه ونشوب الصراع العربى الإسرائيلى جعلت من الإقليمية العربية حلمًا يتبخر ساعة اليقظة. وكان الحل لهذه الحالة المحبطة هو قفزة كبيرة إلى الأمام من خلال ما جرى تصوره من وجود «أمة عربية» وأيضًا ذات رسالة خالدة، باعتبارها حجر الزاوية نحو بناء دولة عربية لا يغلبها غلاب. ومن عجب أن هذا التيار الوحدوى الحماسى سرعان ما انشق عند المنتصف بين «الناصرية» و«البعثية»، اللذين كان على كليهما مواجهة مرارة الاحتلال الإسرائيلى لأجزاء من أراضيهما. فى مصر استجمعت الدولة الوطنية قدراتها وشفاء جراحها، فاستعادت أراضيها، بينما وصلت سوريا إلى ما هى عليه الآن. ولكن فشل المشروع لم يُخفِ حقائق موضوعية لا يمكن تجاهلها، وفى عالم الدول فإن الجغرافيا يستحيل تغييرها، ولكنها مع بقائها وأهميتها لا يمكنها أن تغفل التاريخ العاكس للزمن، والذى يعنى تغير الأجيال، وما يرد على الدول من نضج وتطور مجتمعى يعيد النظر فى تفسير المحيط والبيئة والعلاقة معهما. وما جرى فى فترة ما بعد ثورات «الربيع العربى» يشهد توجهات جديدة وجدت نفسها تبحث عن طرق للتعاون الإقليمى مستمد من أجيال جديدة تعيش الثورات التكنولوجية المعاصرة، ولم تكتوِ بلهب الصراع العربى الإسرائيلى، وتجد نفسها فى وسط عالم يتسابق فيه الجميع من ناحية، وتدافع فيه عن نفسها من وهج وسخونة واقع عالمى مرهق من خلال ائتلافات إقليمية من ناحية أخرى. البقية فى الأسبوع القادم.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة العلاقات الإقليمية 12 إدارة العلاقات الإقليمية 12



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab