تأملات فى محتوى الحرية

تأملات فى محتوى الحرية

تأملات فى محتوى الحرية

 العرب اليوم -

تأملات فى محتوى الحرية

بقلم - عبد المنعم سعيد

شغلت قضايا كبرى، مثل الحرية والعدالة، الفكر والفلسفة، العقل البشرى منذ وقتٍ يعود إلى الكتابات اليونانية الأولى لأفلاطون وأرسطو التي تجاوزت أفكارًا أخرى تقوم على التقليد والثبات والخلود، وكانت سائدة في الإمبراطوريات القديمة.

وفى العصر الحديث فإنها صارت من أعمدة النظم السياسية. وكان «توماس جيفرسون»- أحد الآباء المؤسسين للدولة الأمريكية ورئيسها الثالث- هو الذي وضع في إعلان الاستقلال نصا يقول إن هناك ثلاثة حقوق «طبيعية» للإنسان لا يمكن تجاوزها وهى: الحياة والحرية والسعى نحو السعادة. ورغم أن الحق الأول كان ملتصقا بالبقاء والتكاثر والثروة، وأن الثالث كان مرتبطا بالمِلْكِية والرفاهية، فإن الثالث- الحرية- ألهب خيال الثوار سواء على الحكم الأجنبى أو المواجهة مع حاكم مستبد.

التجربة المصرية في ثورة يناير ٢٠١١ طرحت ثلاثية «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، وأضيف لها أحيانا «الكرامة الإنسانية»، ولكن الحرية سواء في الرأى أو التعبير أو السلوك الفردى العام ظلت لها السيادة في الحديث والشعار والهتاف وفى المواجهات السياسية. ورغم أنه من المؤكد أن المتظاهرين في ميدان التحرير حصلوا على حريتهم الكاملة، ولم يكن هناك حاجز بين مئات الألوف من المعتصمين في إبداء الرأى ولا في التعبير، بل إنهم سرعان ما تولوا ناصية الشهرة في المنصات التليفزيونية، فإن الواقع لم ينتج «قماشًا» من الأفكار التي عاشت بعد انتهاء المناسبة، تكون نبراسًا للتنمية والارتقاء. هؤلاء من الإخوان المسلمين الذين لم يرفعوا هذا الشعار، وبديلا عنه كان لديهم بسيط القول إن «الإسلام هو الحل»- كانوا الأكثر استعدادا لتولى السلطة، ولم يكن لديهم ما يقدمونه لبناء الدولة أو حتى الكيفية التي سوف يقدم فيها الإسلام حلا للمعادلات الإنسانية الآنية في الحياة الدنيا وليس في الآخرة. الآخرون ظلوا على إخلاصهم للشعار، ولكن لم يصدر عنهم في النهاية مشروع أو فكرة يكون التاريخ بعدها أكثر غنى مما كان قبلها.

كان ذلك هو الذي حدث تماما في كل عواصم ما سمى بعد ذلك «الربيع العربى» في مطلع العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين، حيث كانت الاجتماعات في الميادين لديها من الحريات ما هو مطلق، ولكن المحتوى ظل غائبا في كل الأحوال ولم يبق منه في النهاية إلا الدفاع عن الطائفة والجماعة والقبيلة.

أفرزت الحرية حروبا أهلية ضروسا، ولم تقدم مشروعا واحدا لتجاوز الزمن إلى تقدم منشود. وفى الموجة الثانية من «الربيع العربى» الذي جرى في السودان والجزائر والعراق ولبنان، فإن الموجة الثائرة من الجماهير الشابة رفعت أعلام الحرية بنفس الحماس، وحتى تولد عنها مواقف بصيرة تجاه التدخلات الخارجية، والنظرة السلبية تجاه الطائفية في عمومها، ولكنها أيضا لم تولد مشروعا وطنيا يمكن لأركان المجتمع السياسى الالتفاف حوله. الآن في السودان الشقيق توجد الحرية في أوجها، ولكنها باتت الحرية التي ولدت «المكون العسكرى» و«المكون المدنى» والمكونات الإقليمية المختلفة، وبعد انقسام الجميع لم يبق إلا الفراغ والاستعداد للحظة ملحمية يحارب فيها الجميع جمعهم. صحيح أنه كانت هناك دائما ضغوط على لحظة «الحرية،» جاء في لبنان منها انفجار المرفأ، ولدى الجميع كانت «الجائحة» عبئا لا يطاق؛ وفى العراق جرت الانتخابات وحصل الجميع على كافة حقوق الحرية، ولكم كانت النتيجة انقساما لا يكوّن حكومة، ولا ينتخب رئيسًا.

أحيانًا كانت القضية إجرائية ممثلة في الفكرة الديمقراطية حينما يمارس الجميع الاختيار، ومن خلالها ينقسم المجتمع إلى أغلبية وأقلية، ويفترض أن كليهما يكون لديه برنامج، فتمارس السلطة الأغلبية، فإذا ما نجح برنامجها فخيرا كان الأمر؛ أما إذا لم يحدث ذلك فإنه في الانتخابات التالية سوف تتآلف حرية التعبير مع التصويت لاختيار برنامج الفريق الآخر الذي كان أقلية من قبل فيصير أغلبية هذه المرة.

في الواقع، إن الأمور لا تسير بمثل هذه البساطة، فالمجتمعات لا تنقسم فقط إلى أغلبية وأقلية، ولكن كثيرا ما تكون الانقسامات عديدة. الحالة الليبية مَثَلٌ لهذه الحالة، فالحرية مطلقة، والتعبير وصل إلى كل السقوف الممكنة، ولكن في النتيجة لم يكن ممكنا الاتفاق على شىء، وعندما جرى اتفاق على موعد للانتخابات للفصل في الموضوع، تبارى الجميع في الخلاص منه. سوريا ليست حالة مختلفة من الحرية للجميع، انتهى الحال لكى يكون في حمل السلاح واقتطاع الأرض من السلطة المركزية. وفى أفغانستان سارت الحرية أنهارا، والانتخابات جرت في المواعيد المنتظمة، ولكن النتيجة كانت عودة طالبان لكى تكون الأغلبية الدائمة.

هل يصدق ذلك فقط على البلدان النامية أم أن المتقدمة لديها أمر آخر؟.. مثل ذلك حديث آخر.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات فى محتوى الحرية تأملات فى محتوى الحرية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab