دروس الحرب الأوكرانية

دروس الحرب الأوكرانية

دروس الحرب الأوكرانية

 العرب اليوم -

دروس الحرب الأوكرانية

بقلم: عبد المنعم سعيد

دار الزمان دورته ومضى عام على «الحرب الأوكرانية» لأنها تدور على أرض أوكرانيا؛ ومهما كان هناك تورط من أطراف أخرى بالعون أو بالدعاء، فإن المعارك الدائرة تدور في فلك صد هجمات جاءت بها روسيا عبر الحدود. وإذا كانت الحروب الكبرى، سواء تلك التي دارت بين دولتين أو دول عدة أو حتى حروب عالمية، قد جرت دراستها في كلياتها بحثاً عن الأسباب الجذرية والعرضية لنشوب الحرب وجزئياتها بحثاً عن تكتيكات المعارك واستراتيجياتها؛ فإن الحرب المعنية هنا بدأت الدراسات حولها حتى قبل ظهور شمس عام جديد.
ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأميركية، قدم في دورية «السياسة الخارجية» مقاله «الدروس الخمسة الأولى بعد عام من الحرب الأوكرانية».
الدرس الأول منها يقول، إنه من السهل جداً للقادة أن يخطئوا الحساب، معتمداً في ذلك على الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما اعتقد عالياً في القدرة الروسية على تحقيق أهداف سريعة في الحرب، ومقابل ذلك ظن أن الأوكرانيين لن يكون لديهم القدرة على المقاومة وشن هجمات مضادة. كذلك، والكلام لا يزال لستيفن والت، أن أوروبا الغربية لن يكون في مقدورها التخلي عن الغاز الروسي، ومن ثم فإنها لن تقدم المعونات لأوكرانيا. بشكل ما، فإن الدارس الأميركي اقترب كثيراً مما جرى ذكره هنا في مقال «بين الحكمة والحماقة» بتاريخ 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 الذي تناول دور الأفراد وقدراتهم في إدارة صراعات مصيرية. فالحقيقة، أن الدرس المستخلص من الحرب الأوكرانية لا يختلف عن الحالة في كثير من الحروب، ليس فقط لخطأ في القادة، وإنما نتيجة أخطاء في المعلومات، وأخطاء أخرى في إدارة السياسة الخارجية وسياسات الأمن القومي حينما تغيب القدرة على تصحيح ما هو خطأ وقبول ما هو صواب.
الدرس الثاني هو أن الدول تتحد لكي تواجه العدوان، وهنا سوف نجد الأصول الفكرية لستيفن والت، حيث جاء من المدرسة الواقعية التي ترى في الدولة فاعلاً أساسياً في العلاقات الدولية، وأنها تتصرف وفقاً لتوازنات القوى التي تحدث إما من خلال قدراتها الذاتية أو من خلال التحالف مع دول أخرى. التاريخ الأوروبي كله قام على سلاسل من تحالفات توازن القوى، والحربين العالميتين الأولى والثانية قامتا على تحالفين، وقبلهما جرت هكذا التوازنات الأوروبية وكانت بريطانيا تقوم بدور قبة الميزان التي تذهب إلى حيث لا يسمح لقوة واحدة بالسيطرة على القارة الأوروبية. وبعد الحربين فإن السياسة الأوروبية قامت بردع الحروب من خلال التحالف الدائم لحلف الأطلنطي، وإنشاء ما صار الاتحاد الأوروبي، لكي تخلق قوة عسكرية واقتصادية لا يوجد ما يماثلها لا في القارة ولا في العالم. عملياً، فقد كانت مهمة هذين التحالفين هي استيعاب ألمانيا أو قهرها إذا استيقظت مرة أخرى، وعندما تم توحيد ألمانيا بعد انتهاء الحرب الباردة فإن عواصم أوروبية كثيرة ارتجفت من نتائج التوحيد. وبينما كان التحالف الأوروبي والأطلنطي مهماً من زاوية ردع الاتحاد السوفياتي فإنه لم يكن متصوراً أن تقوم روسيا بهذه الخطوة تجاه دولة أوروبية، ولكن عندما حدث الاجتياح لأوكرانيا فإن الطاقة الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة للمعسكر الغربي في العموم شكّلا فارقاً مهماً على مسرح العمليات حينما عطلت الهجمات الروسية، وسمحت للقوات الأوكرانية بشن هجمات مضادة ذات تأثير في موازين الحرب.
الدرس الثالث الذي أتى به والت هو أن الحرب لا تنتهي إلا عندما تنتهي فعلياً، ومن ثم فإن الحرب ليست فيلماً سينمائياً يبدأ بلحظات عنف شديد وباهر، وتنتهي بعبور أقواس النصر وحصول الجنرالات على شارات البطولة. ومن هنا، فإنه ليس كل تقدم مؤقت يعني نصراً أو بداية النصر، أو أن الهجمات المضادة والانسحابات المؤقتة لا تعني بالضرورة نهاية الحرب. الحروب التي تندرج فيها القوى الكبرى ليست رخيصة وبالتأكيد ليست سريعة؛ ومثلما كانت التوقعات الروسية بالنصر السريع مبالغاً فيها، فإن سلاح العقوبات الاقتصادية الغربي لم يكن كافياً لتركيع روسيا، ومهما كان الاعتصار جارياً لأوكرانيا فإنها أثبتت قدرة على استمرار القتال وتحرير أرض. وبالتأكيد كان لدى روسيا الموارد الذاتية، وبعضها خارجية، لكي تستمر في قتال ضروس؛ وبالنسبة لأوكرانيا، فإن الحرب باتت معركة وجود للدولة الأوكرانية لا بديل فيها عن المقاومة والاستفادة القصوى من الحلفاء الغربيين.
الدرس الرابع هو أن الحرب تعزز موقف المتطرفين لدى طرفي القتال، وتجعل من التوصل إلى حلول وسط أكثر صعوبة. وفي الحقيقة، فإن الحرب أظهرت للعالم جماعة الوطنيين القوميين الروس والمدى الذي يذهبون إليه في تصور روسيا القيصرية التوسعية وقد أتت من تاريخها القديم قافزة فوق الفترة السوفياتية لكي تعيد مجدها ومكانتها على مائدة القوى الأوروبية في الماضي والعالم في الحاضر. أوكرانيا في جانبها لم يكن ممكناً لها الصمود والمقاومة والهجوم المضاد دونما تطور داخلها لقدرات معنوية ضخمة استندت إلى قومية حقيقية كانت هي التي تحملت أعباء الحرب العسكرية ضاع فيها 20 في المائة من الأرض الأوكرانية، ونحو 9 ملايين أوكراني بين لاجئ ونازح.
الدرس الخامس يعود بنا إلى ما قبل الحرب، وعما إذا كان اتباع الغرب سياسة واقعية تقيد استخدام القوة بأشكالها المختلفة، وتمنع حلف الأطلنطي من التوسع شرقاً، سوف يكون سبباً في منع الحرب وتقييدها إذا ما نشبت. صحيح أن الغرب أطلق الكثير من صيحات التحذير، بل إنه أكثر من ذلك نشر خطة الحرب كاملة لعل القيادة الروسية تتراجع، ولكن ذلك لم يكن كافياً أو مقنعاً لروسيا أنها لن تتعرض للتهديد من قبل حلف الأطلنطي. وعند هذه النقطة، فإن والت يضيف درساً سادساً عاماً، وهو أن «القادة» لهم قيمة أساسية في مثل هذه المنعطفات التاريخية الحادة، فما يمكن استخلاصه مما حدث أنه لم يكن موجوداً القادة العظام الذين يمنعون الحرب من الحدوث، وإنما وجد القادة من نوعية أقل تعرف كيف تنزلق إليها. دروس الحرب العسكرية أكثر غزارة من تلك الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية؛ وذلك ربما لأن تغطية المعارك تجعل المعرفة أكثر إتاحة. ويمكن القول، إن التطورات التكنولوجية أصبحت النقطة الفارقة في الحرب الأوكرانية عما كانت عليه الحروب قبلها. في أوكرانيا جرى استخدام أسلحة الحرب السيبرانية، والذكاء الصناعي بغزارة للتشويش على خطوات الخصم، مع استشعار خطواته الحالية والمستقبلية. الطائرات المسيرة أو الدرونز بأنواعها المختلفة هي العلامة المميزة للحرب، خاصة تلك التي تطلق لكي تقوم بتدمير أهدافها دون توجيه إنساني. لكن القفزة الكبرى جرت في العمليات المخابراتية التي مكّنت من التنصت والمتابعة لشبكات التواصل الاجتماعي والتليفونات الجوالة وبالطبع استطلاعات الأقمار الصناعية. الحرب تضيف أيضاً أهمية إدارة الحرب بطريقة «لا مركزية» وهو الدرس الذي قدمته أوكرانيا لكي تستطيع توزيع قواتها بطريقة تجعل القوات الروسية في حالة اشتباك دائم. الروح المعنوية هي درس دائم في كل الحروب، والحرب الأوكرانية ليست استثناء.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس الحرب الأوكرانية دروس الحرب الأوكرانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab