لا فراغ في الشرق الأوسط

لا فراغ في الشرق الأوسط؟!

لا فراغ في الشرق الأوسط؟!

 العرب اليوم -

لا فراغ في الشرق الأوسط

بقلم : عبد المنعم سعيد

كان وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس (1888 - 1959) هو الذي وصف الشرق الأوسط بأنه في حالة «فراغ» (Vacuum) يطلب جهوداً لملئه، وإلا فإن الخصوم والمنافسين، وهم في هذه الحالة الاتحاد السوفياتي والصين ومن شابههما من الدول «الشيوعية»، سوف يستولون عليه. كان الحل وقتها إنشاء تحالفات عسكرية في المنطقة تساهم في تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في «احتواء» (Containment) الخصوم وحصارهم. كان الزمن هو وقت «الحرب الباردة» وما نجم عنها من سباق على إقليم يتمتع بموقع استراتيجي عالمي، وكم هائل من النفط الذي بات بعد الحرب العالمية الثانية واستهلاكها لملايين من الغالونات سلعة ضرورة في أوقات الحرب والسلام. قامت فكرة دالاس على أنه إذا كان التوازن العالمي قد قام على استراتيجية للردع النووي القائم على الدمار الشامل، فإنه في الساحة الإقليمية يقوم على أحلاف تملأ الفراغ الذي قد يستغله الجانب الآخر؛ قام وقتها الاقتراح الأميركي بإنشاء «حلف بغداد» الذي فيما بعد قد أصبح «الحلف المركزي». في المنطقة وقتها كانت الرياح تأتي بكثير من الثورات في دول الإقليم؛ وكان موقف زعيمها جمال عبد الناصر، في ذلك الوقت، أنه لا يوجد فراغ في المنطقة، فأهلها وشعوبها يملأونها بطموحات الحداثة والتقدم؛ وإذا كان هناك من عدو فإنه ليس الاتحاد السوفياتي وإنما إسرائيل التي جاءت إلى المنطقة على غير موعد لكي تعتدي وتأخذ وتحتل. ولعل الليلة كانت تشبه البارحة حينما أعلن الرئيس الأميركي بايدن، مرة أخرى، أن هناك فراغاً في الشرق الأوسط، وما حل محل الاتحاد السوفياتي كان روسيا التي اجتاحت أوكرانيا، والصين التي يتوسع نفوذها الاقتصادي والسياسي كل يوم، وإيران التي إذا تركت لحالها سوف تمتلك سلاحاً نووياً يهدد الإقليم والولايات المتحدة من ورائه. وحتى تكتمل دائرة التاريخ فإن تسريبات راجت تتردد بالسعي نحو إقامة «ناتو» عربي، ثم صار «ناتو» شرق أوسطي. مرة أخرى لم يكن في المنطقة لا دول ولا شعوب ولا قيادات وزعماء تعرف جيداً ما هي المصالح العليا لأوطانها ودولها، وكيف تبني سياساتها بناء على ذلك؟

الحقيقة الكبرى التي ظهرت وتبينت أثناء «قمة جدة للأمن والتنمية» التي عقدت قبل أسبوع، هي أنه لا يوجد فراغ في الشرق الأوسط. كانت الفجوة واسعة بين خطاب الرئيس بايدن والقادة من الدول العربية التسع. بدأ الرئيس الأميركي خطابه بتحية الجنود الأميركيين الذين سقطوا في ساحة القتال بالعراق وأفغانستان؛ وإذا كان ذلك طبيعياً من قائد أميركي، إلا أن ما لم يكن طبيعياً عدم وجود إشارة عن الذين قتلوا بمئات الآلاف من القاطنين في المنطقة. الحديث عن القتال والقتلى كان بداية التعريف الأميركي للموقف المراد اتخاذ قرار فيه في قمة استثنائية لم يسبقها مثيل أن تجتمع واشنطن مع تسع عواصم عربية. جاء التعريف الأميركي بحالة مواجهة جديدة، هذه المرة مع روسيا والصين وإيران. في المقابل، ومع الترحيب العربي السعودي السابح في الكرم، فإنه كان هناك خطاب عربي واضح ربما لأول مرة في تاريخ العالم العربي المعاصر. أفلحت إلى حد كبير عمليات الاتصالات والتنسيق والتشاور التي جرت بين القادة العرب خلال الأسابيع السابقة حتى اللحظات الأخيرة قبيل انعقاد القمة؛ وربما كانت بداية رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط في إسرائيل أعطت وقتاً إضافياً وتفكيراً أعمق فيما جرى من استجابة. الخطاب العربي في القمة قام على ثلاث قواعد: الأولى أنه لا يوجد فراغ في المنطقة العربية ولا الشرق الأوسط، وإنما يوجد قادة يقومون بالإصلاح العميق، ويعرفون جيداً مصالحهم القومية، وشعوب تتطلع إلى المستقبل في مسيرة كان ممكناً مشاهدتها من كل النوافذ والأبواب التي تطلع على جدة من ساحات المؤتمر المختلفة. والثانية أن الأطروحة الأميركية عن ضرورة أن يقوم النظام الدولي على قواعد قانونية مقبولة، ولكنها لا يمكنها أن تترك على قارعة الطريق واحدة من أهم هذه القواعد التي أرسيت منذ مؤتمر «ويستفاليا» 1648، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ولأن «أهل مكة أدرى بشعابها»، فإن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تتدخل في شؤون الدول، ولا أن تتخيل قذف الناس بحجارة «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» بينما منزلها من زجاج. والثالثة أن العرب يتطلعون إلى علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، مثلما يتطلعون إلى علاقات من النفع المتبادل مع كل دول العالم على أساس من المصالح الوطنية لكل الدول.
جرت القمة بالطريقة التي شاهدها الناس، حيث وقعت القمة السعودية الأميركية، ثم قمم أصغر زمناً بين أربعة من القادة العرب والرئيس الأميركي، ثم جرت القمة الكبرى التي جرى فيها خطاب الرئيس بايدن وخطابات القادة العرب. كان الأول محدوداً في انغلاقه على إيران، والمدهش أن ذلك كان يسير جنباً إلى جنب مع ضرورة عقد اتفاق معها؛ أما الخطابات الثانية فلم تكن أكثر وعياً فقط بالخطر الإيراني، وإنما أكثر وعياً بأخطار أخرى في المنطقة وفي العالم، ليس أقلها استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، ولا أعلاها الاحتباس الحراري، وتصل في الشمول إلى تحقيق الأمن المائي. كان هناك الكثير من المرونة الواعية بالحالة الفلسطينية الصعبة، والوعي الأكبر بالقضايا العالمية والإقليمية التي لا يمكن وضعها جانباً. المدهش أنه رغم الوضوح التام في كل ما قيل وأذيع، فإن الصحافة الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها مثل «واشنطن بوست»، تعاملت مع القمة كما لو كانت مسرحية لممثل واحد، ونصاً واحداً، وموسيقى تصويرية ومؤثرات صوتية واحدة، ما بعد ذلك وقبله لا يوجد إلا الفراغ الموحش. لم تكن هناك الشجاعة لنقل ما حدث وقيل في أول اللقاءات بين الرئيس بايدن والأمير محمد بن سلمان حول قضية الكاتب جمال خاشقجي، حيث كان الألم كبيراً للحادثة المروعة، لكن الحرص أيضاً كان كبيراً على أن يأخذ القانون مجراه، ويتلقى المجرمون عقابهم. ما حدث كان خطأ فادحاً لا ريب فيه، ولكن مثل هذه الأخطاء حدثت من كل دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة التي كان عنوانها في فيتنام مذبحة «لاي ماي»، وفي العراق مجزرة «أبو غريب»، وفي فلسطين كانت رصاصة تقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، أثناء تأديتها لواجبها الصحافي.
كانت المهنية غائبة من كبريات صحف وشبكات تلفزيونية، وكان الوعي غائباً عن ملاحظة أكبر ثورة إصلاحية اقتصادية واجتماعية عرفتها المملكة في تاريخها. والحقيقة هي أن الغياب كان مقصوداً، لم يكن محض صدفة أو انشغال بال، وإنما كان عصياناً على مهنة تبحث عن الحقائق. كان الترصد واقعاً حتى على الرئيس بايدن، فكان منتقداً لأنه أصبح واقعياً، ومتهماً لأنه لم يحصل على الكثير، ومداناً لأنه لم يرتفع إلى مرتبة النصائح والمذكرات التي تقدمها له صحافة وضعت لنفسها وبلدها صورة عن العالم العربي كلها ضلال ولم يعد لها وجود.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا فراغ في الشرق الأوسط لا فراغ في الشرق الأوسط



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab