التفكير في يناير 2023

التفكير في يناير 2023

التفكير في يناير 2023

 العرب اليوم -

التفكير في يناير 2023

بقلم: عبد المنعم سعيد

يشكل شهر يناير (كانون الثاني) من كل عام مأزقاً للكتاب والمعلقين والمحللين وأصحاب الرؤى والحدس؛ حيث يتواتر عليهم الطلب برصد التوقعات والتنبؤات حول ما سوف يأتي ويكون خلال العام الذي فتحت أبوابه عن آخرها. وفي سابقة شهيرة قدمتها الكاتبة روبين رايت في صحيفة «نيويوركر» - وهي تتعقب كيف أن حروب عام وأزماته سوف تغطيان على عام - فإن سيدة نشرت نبوءة في عام في مجلة عن شخص يشبه جون كينيدي سوف يفوز في الانتخابات الرئاسية وبعدها سوف يموت قبل أن تنتهي فترة ولايته الأولى. أصبحت السيدة شهيرة، ونسي الناس أنها تنبأت أيضاً بأن الحرب العالمية الثالثة سوف تنشب، وأن الاتحاد السوفياتي سوف يكون أول من يصل إلى القمر!
طبعاً كذب المنجمون ولو صدقوا أحياناً؛ لأن ما تبقى كان قراءة لاحتدام الحرب الباردة، وسباق الفضاء الذي كانت موسكو وقت النبوءة في الطليعة. لن نعود بعيداً في الماضي؛ حيث إن العصر الحديث يوحي بأن الفشل أكثر من النجاح فيما يتعلق بالتفكير في شهر يناير حول ما سوف يحدث خلال العام «الجديد». لم يكن أحد يعلم أن الثورات سوف تكف عن الحدوث في شهر يوليو (تموز) المعتاد حينما ترتفع درجات الحرارة وتصبح السلطات في غيبوبة الإجازة السنوية، وتنتقل دون معرفة أحد إلى شهر يناير حيث البرد القارس، وخوفاً من اختلاط الأمور أطلق كتّاب الغرب كلهم على الثورات العربية في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين اسم «الربيع العربي». لم يكن أحد وقتها يعلم أن ما جرى في تونس ومن بعدها مصر سوف يمتد إلى سوريا واليمن وليبيا، وما زالت تجري بعض من مشاهده في بلاد عربية أخرى. الطريف أن «الربيع» الذي احتفى به الغرب، تعدد امتداده إلى حروب أهلية استمرت طوال فصول السنة، وبعدها امتدت من العقد الثاني إلى العقد الثالث.
قبل ثلاثة أعوام لم يكن أحد يعلم، ولا يمكنه أن يتنبأ بما تخبئه الطبيعة، عندما بدا يناير شهراً عادياً، وجاءت التوقعات والتنبؤات فيه دون معرفة أن أمراً جللاً كان قد بدأ قبل شهرين عندما ظهرت أول حالات «كوفيد - » في الصين وبعدها لم تأت نبوءة بأن «الجائحة» سوف تمتد لأكثر من عام. كثر الحديث عن «المعتاد الجديد»، ونادراً في التاريخ ما تأتي التوقعات لكي تتحدث بما هو معتاد. وكان ذلك هو ما حدث في يناير عندما ركزت التوقعات على الانتعاش ومعدلات النمو العالية بعدما اكتشف العالم العلاج، واخترع اللقاح للوباء والبلاء.
جاء التنبؤ بحالة من التعاون الدولي، ورغم التحرشات هنا أو هناك في الساحة الدولية فإن العلاقات الأميركية الروسية، والأميركية الصينية لم تكن مدرجة ضمن التوقعات المتشائمة، ولكن هذا التفاؤل البادي لم يعد له محل بعد أيام من شهر يناير عندما اعترضته نذر دولية برزت من البيان المشترك الصيني الروسي في فبراير (شباط) الذي حث على تغيير النظام العالمي الذي نجم عن نهاية الحرب الباردة والذي قدم أولاً للعولمة التجارية والاقتصادية على مستوى العالم؛ وثانياً المكانة الخاصة للولايات المتحدة الأميركية في هذا النظام من حيث العائد والنفوذ في منظمة التجارة العالمية وهيمنة الدولار الأميركي على النظام الاقتصادي العالمي. ومن وقتها أصبح العالم في حالة مراجعة لكل النظام الدولي الذي استقر بعد نهاية الحرب الباردة والتي بالمناسبة لم يتنبأ بها أحد أو يتوقعها معلق ولا جهاز مخابرات.
لم يأت على خيال أحد متابعة منطق أنه في جميع حالات المراجعة للنظام الدولي فإنه إما أن يتم تعديل النظام بالتوافق بين أركانه الأساسية كما حدث عند نهاية الحرب العالمية الثانية، وإما تنشب حرب لتحقيق توازن جديد كما حدث قبل نشوب الحرب العالمية الأولى. وكان هذا هو الخيار الذي نجم عن عمليات الحشد العسكري الروسية على الحدود الأوكرانية؛ وانقلبت في فبراير إلى حرب دخلت فيها القوات الروسية من ثلاث جبهات إلى أرض أوكرانيا. وكان للحرب مجال آخر بين روسيا وبجوارها بتأييد حماسي دول مثل بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا في جانب؛ والقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة في جانب آخر. كان الرد الأميركي والغربي على الهجوم الروسي على أوكرانيا هو «المقاطعة» الاقتصادية، وانسحاب رؤوس الأموال والشركات الأميركية من «آبل» للكمبيوتر وحتى «ماكدونالد». تحولت الحرب الأوكرانية من كونها حرباً بين دولتين إلى أزمة عالمية شاملة كل دول العالم التي بدأ كل منها في إعادة ترتيب أوضاعه السياسية والاقتصادية بحيث تتعامل مع عالم جديد كان من أبرز ملامحه الصعود المثير للصين كقوة عالمية عظمى.
لم يقل لنا أحد في يناير إن كل ذلك سوف يحدث، ولم يصدق أحد المخابرات الأميركية عندما نشرت خطط الحرب الروسية، ولا أن الماضي وليس المستقبل سوف يعود بقوة عندما وضع الرئيس الروسي بوتين القضية كلها في إطار العلاقات الروسية الأوكرانية في الإطار الذي كانت فيه روسيا القيصرية. الرئيس بايدن كان تواقاً لمعركة آيديولوجية فجعل العالم مصطفاً بين «الديمقراطيين» و«السلطويين» لكي يحل محل عالم منقسم ما بين «الرأسمالية» و«الشيوعية»، و«الليبرالية» و«الاشتراكية». لم يعد العالم جديداً، ولا العولمة شريعة العلاقات الدولية، وحينما حل العام الجديد لم تعد هناك فيه لا بشرى ولا بشارة، وإنما امتداد لما كان في العام السابق. أصبح هناك رصد يشيع فيه الاستسلام لعالم غارق في حرب ممتدة؛ وبينما تعبئ روسيا جنودها بمئات الألوف، فإن حلف الأطلنطي يقدم صفقات أسلحة جديدة مزدحمة بأشكال كثيرة من الدبابات القادرة على عبور الحدود. الحرب بات لها جولاتها بين الهجوم الروسي، والهجوم الأوكراني المضاد، واحتلال مدن والخروج منها. آثار التدمير بادية في أوكرانيا، وبوادر الإنهاك ظاهرة على روسيا، وما بين كلتيهما لا يوجد إلا ما سماه عالم العلاقات الدولية جوزيف ناي «الشتاء الدبلوماسي»، حيث لا توجد في الساحة إلا محاولة صغيرة تقوم بها تركيا لتبادل الأسرى أو عقد صفقات لمرور الغذاء أو إنقاذ مفاعل نووي قبل أن يقوم بتدمير العالم بإشعاعاته العابرة للقارات.
بعد ثلاثة أسابيع من شهر يناير فإن الحذر من التوقع والتنبؤ بات منتشراً، اللهم إلا محاولات للاستفادة من تجربة العام الماضي وتجنب الأزمات المتفرعة عنه. وحتى لا ينتهي المقال دون توقعات قد تكون مفيدة فإن العلاقات الدولية في العالم عادت إلى قواعدها الأولى، وأولها أنه لا توجد بين الدول علاقات صداقة مطلقة أو علاقات عداء دائم، الدائم الوحيد هو المصالح العليا للدول. ولا يوجد ما يمنع أبداً من قيام الدول بنشر أجنحتها بين دول وكتل متناقضة بل، وحتى ندور بينها حرب. وثانيها أن ما يبدو حقيقة واحدة ثابتة تقال في يناير من كل عام هو أن صعود الصين لمكانة الدولة العظمى أصبح حقيقة ثابتة.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفكير في يناير 2023 التفكير في يناير 2023



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab