فى مسألة الجُزر المنعزلة

فى مسألة الجُزر المنعزلة

فى مسألة الجُزر المنعزلة

 العرب اليوم -

فى مسألة الجُزر المنعزلة

عبد المنعم سعيد
بقلم: عبد المنعم سعيد

ليس مقصودًا هنا بالجزر أرضًا محاطة بالمياه من كافة الاتجاه، وهى في العادة مثالية للسياحة أو التطوير العقارى عالى القيمة مثل جزيرة الوراق لكى تكون مثل «مانهاتن» الواقعة في نيويورك. ولا الجزر المنتشرة في العالم مثل «فيجى» و«جاميكا» و«سيشل» والمعرضة للغرق بفعل ارتفاع مستوى المياه في المحيطات. ما نقصده نوع آخر من الجُزر التي هي مؤسسات متباعدة لا تتفاعل مع بعضها، مهما كان في ذلك إضرار بالمصالح العامة. والقصة هكذا تحتاج بعضًا من التوضيح: على مدى عام شاركت في برنامج تلفزيونى- «المشهد»- مهمته مناقشة القضايا العامة من خلال خبراء ومختصين وعاملين في مجالات القضية. شغل الاقتصاد جزءًا مهمًّا من الاهتمام؛ ورغم الحرب الأوكرانية لم يكن ممكنًا تجاهل أولًا أن المشاهدين يفضلون القضايا الداخلية، وثانيًا أنهم كثيرًا ما يلحون على كفاءة التعامل مع القضايا المتنوعة. كان المنطق بسيطًا، وهو أنه من الممكن تفهم المشكلات الناجمة عن نقص الموارد، أو الظروف الدولية المعاكسة؛ أما الذي لا يمكن تفهمه فهو تواضع المنتج كمًّا أو نوعًا لضعف عمليات الاتصال بين الأجهزة المختلفة المعنية.

والحقيقة هي أنه لا يمكن أن يكون هناك الكثير من القضايا أكثر أهمية من «الدواء» التي أحيانًا ما تعتبر «قضية أمن قومى» ذات علاقة بالحياة والموت. والدواء هو «مواد كيماوية أو مركبات تستخدم في علاج المرض أو إيقافه أو الوقاية منه أو تساعد على تشخيص الأمراض». وهو هكذا مرتبط بصحة المواطن ويكون موضوع «السياسات العامة» للدولة. هي «عامة» لأنه ينظمها «الدستور»- المادة ١٨ من الفصل الأول- وأتى فيه أن لكل مواطن الحق في الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة؛ وأيضا شغلت مكانًا مرموقا في «رؤية مصر ٢٠٣٠» حيث «يتمتع كافة المصريين بحياة صحية سليمة آمنة». الأهداف الاستراتيجية هي: الاهتمام بكل ما يؤثر في صحة المصريين من محددات اجتماعية وبنية تحتية؛ وتحقيق التغطية الصحية لجميع المصريين مع ضمان جودة الخدمة؛ وحوكمة قطاع الصحة بحيث تؤدى إلى اتخاذ قرارات سليمة.

وكما هو الحال في جميع السياسات العامة فإن الدواء يحتوى على ثلاث مسائل: أولاها أنه مسألة علمية فلا يقوم دواء دون البحث العلمى المستند إلى نخبة من المتميزين في مؤسسات صحية وعلمية متميزة في جمع المعلومات وتصنيفها واستخلاص النتائج منها، وهذه تؤدى إلى الدواء وتجريبه. هنا تتفاوت القدرات بين الدول، ولكن شهادة الخبراء هي أن مصر لديها قاعدة علمية متميزة. وثانيتها أن الدواء مسألة صناعية؛ فلا يكفى التوصل إلى دواء بعينه، وإنما يكون تصنيعه هو الذي يحوله إلى منتج. هنا أيضًا فإن الأرقام تشير إلى وجود قاعدة صناعية واعدة في مجال الدواء، حيث يبلغ عدد مصانع الأدوية في مصر ١٧٠ مصنعًا عام ٢٠٢٢، مقابل ١٣٠ في عام ٢٠١٥، بزيادة قدرها ٣١% تقريبا. القفزة الكبرى متوقعة بمشروع مدينة الدواء «جيبتو فارما» لتوطين الصناعة وإنشاء مركز إقليمى جاذب للشركات العالمية. وثالثتها أن الدواء مسألة اقتصادية لأنه لصيق بميزان المدفوعات، والميزان التجارى، وفى كليهما له علاقة بسعر الجنيه المصرى. وهنا أيضًا فإن السجل المصرى يبدو جيدًا، وخلال جائحة كورونا لم يكن هناك عجز في الدواء، وكانت مصر من أوليات الدول التي أتيح فيها اللقاح وجرى فيها تصنيع العلاج. وفى العموم تبلغ نسبة التصنيع المحلى من احتياجات مصر ٧٥% بالقيمة المالية؛ وبلغت هذه النسبة من التوطين ١٠٠% في صناعة دواء فيروس سى.

الإجماع الجارى بين الخبراء كان أنه في مجال الدواء توجد قاعدة علمية متميزة، وأخرى صناعية منتجة، كما أن مشروع التأمين الصحى المصرى قد بدأ بالفعل في عدد من المحافظات. ولكن إذا كان ذلك كذلك فعلًا، وأن الدواء يمكن أن يكون أحد الامتيازات التسويقية للصناعة المصرية، فلماذا لا يزال عائد التصدير ضئيلًا-٦٩١ مليون دولار فقط عام ٢٠٢١. هنا تحديدًا تطل علينا فورًا ظاهرة «الجزر المنعزلة» أي العلمية والصناعية والاقتصادية. الجامعات ومراكز البحوث تنتج كثيرًا من الإنتاج العلمى، ولكن هذه لا تشكل استجابة مباشرة لحاجة السوق المحلية فضلًا عن الدولية من أبحاث علمية تحل إشكاليات وعقد الصناعة. الواقع أن هناك انفصالًا قائمًا بين الساحة الصحية ممثلة في المستشفيات التي تشكل السوق والطلب على منتجات أدوية بعينها يكون لمصر فيها مزايا نسبية.

هناك في هذه القضية ما هو أعمق بالنسبة لانفصال الجزر تحتاج ما هو أكثر من الاستقصاء. البحوث العلمية طرحت لدينا أن «البيروقراطية» لديها ميل دائم للعزلة والابتعاد بمجالها، حفاظًا على الميزانية أو التأثير السياسى. البحوث ذاتها نبهت إلى دور «السياسة» في خلق إطارات تؤدى إلى التعاون بين جزر منعزلة.

 

arabstoday

GMT 01:47 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

المقاومة الشعبية والمسلحة

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

خطر تحت أقدامنا

GMT 01:35 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عصر الكبار!

GMT 01:32 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بشارة يخترع نفسه في (مالمو)

GMT 01:29 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الغواية وصعوبة الرفض!

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

يا ويل يا سواد ليل الفنان

GMT 00:57 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

على جدار الامتنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى مسألة الجُزر المنعزلة فى مسألة الجُزر المنعزلة



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:07 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

سماع دوي انفجار في رفح جنوب قطاع غزة

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان

GMT 16:30 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

رئيس الإمارات يستقبل سلطان عمان في أبوظبي

GMT 10:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

219 مستوطنا إسرائيليا يقتحمون المسجد الأقصى

GMT 18:53 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

اعتقال 3 ألمان للاشتباه في تجسسهم لصالح الصين

GMT 10:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال خطير يضرب سواحل المكسيك على المحيط الهادئ

GMT 20:49 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

إصابة تامر ضيائي بجلطة مفاجئة

GMT 01:34 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab