بقلم - عبد المنعم سعيد
هناك تعبير أمريكى ذائع عندما يجتمع القوم من أجل التداول أو البحث فى حدث مهم، وتكون أذهانهم منشغلة بأمر لا يقل أهمية ولكن لا أحد يريد الحديث فيه؛ فيظل هذا الثقل الثقيل يلقى بحجمه وثقله على الحدث الكبير. ذلك الأمر الأخير يسمى الفيل الذى فى الحجرة، ورغم ضخامة حجمه التى لا يمكن تجاهلها فإن أحدًا لا يريد أخذه فى الاعتبار حتى لا تضيع أهمية ما اجتمعوا من أجله. الحرب الأوكرانية كانت ذلك الفيل الذى حل بالجمع العالمى الذى اجتمع فى مدينة شرم الشيخ المصرية لبحث مصير كوكب الأرض والتعامل مع الخلل المناخى الخطير الذى حل بها.
الحضور من القادة والزعماء وأصحاب الفخامة والسمو فى «كوب ٢٧» هائل، وكسر كل التوقعات الحضور الكثيف من قادة الدول الكبير منها والصغير، وحتى من أعلنوا عن عدم الحضور تراجعوا عندما وجدوا ليس فقط أن الاهتمام بقضية المناخ ضرورة، وإنما لأن هناك حفلًا لا يستطيع أحد من الساسة تجاهله لاعتبارات داخلية وخارجية. وفشلت كل محاولات من لا يريدون خيرًا بمصر فى جذب الأنظار بعيدًا عن النجاح المصرى فى عقد المؤتمر أولًا، وأن يكون الجمع بعد ذلك متميزًا ثانيًا؛ فلا أحد بعد ذلك يمكنه أن يرى المؤتمر مجرد واحد من مؤتمرات الأمم المتحدة التى تُنسى.
الرئيس السيسى كان هو الذى فض عقدة الفيل عندما أعلن فى افتتاح مبادرة الشرق الأوسط الخضراء عن أنه لا يمكن تجاهل الحرب الجارية وبضراوة وشراسة لا يمكن غض الطرف عنها؛ والمؤكد أنه لا يمكن القبول باستمرارها ونتوقع بعد ذلك حل إشكاليات وعقد ومعضلات المناخ ومخاطره التى لا يمكن حلها دون توافق عالمى بين الدول الصناعية الكبرى، والتى هى فى نفس الوقت جزء من التوتر العالمى الحالى. العلاقة بين «كوب ٢٧» والقوى المتورطة فى إشكاليات النظام الدولى، الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا، هى ذاتها التى تتحمل القدر الأعظم من الانبعاثات الحرارية التى ترفع درجة حرارة الأرض، وتسيل الثلج فى القطب الشمالى، وتتسبب فى ارتفاع مياه البحار، ومعها التغيرات المناخية الكارثية الحالية.
الدول الصناعية الكبرى، وهى الدول العظمى والكبرى فى عالم اليوم، كانت وللأمانة هى التى نقلت إلى الدنيا الثورات الصناعية المتتابعة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين؛ ولكنها كانت على الجانب المقابل هى التى رفعت حرارة الأرض. بقدر ما كان ذلك سبيلًا إلى تقدم الجنس البشرى، وطول عمره، وازدياد رفاهيته بما أتت به من مخترعات جعلت السفر بالسيارة أو الطائرة أو القطار أسرع بكثير من ركوب الحصان. وكانت هى التى كثفت وأسرعت بالاتصال الإنسانى كما لم يحدث فى التاريخ من قبل منذ اكتشاف قدرات الحمام الزاجل. ولكنها على الجانب الآخر كانت هى التى أطلقت من طاقة الشر ما قاد إلى حربين عالميتين ساخنتين، وحرب عالمية باردة تقوم على الردع النووى المهدد لسلامة الكوكب. من السهل بعد كل ذلك أن نحمِّل هذه الدول المسؤولية عما جرى لكوكبنا من جراء ثورات صناعية كنا نريد دومًا اللحاق بها؛ والآن فإنها تضيف لما جرى حربًا كبرى ساخنة تجرى فى أوكرانيا، وأخرى باردة تطهى على نار باردة فى تايوان.
لا مفر فى الواقع فى هذه الحالة وتلك من وجود مسار ثالث، وربما كتلة دولية أخرى تدفع فى اتجاه نوع من التوافق الدولى مثل ذلك الذى جرى بعد الحرب العالمية الثانية وأدى إلى مولد الأمم المتحدة ومؤسساتها التى تفرعت وحاولت بناء عالم يقوم على قواعد ونظم. ولكن ما جرى فى سبعة وسبعين عامًا لم يحدث فجأة وإنما سبقه فكر دولى نما خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين انتقد معاهدة فرساى وما أدت إليه من مرارات لدى ألمانيا، وتجربة عصبة الأمم التى هربت منها الولايات المتحدة بعد أن سعت إليها، وحذرت من فجر جديد للعدوان من جراء سباق التسلح والأفكار الفاشية. للأسف فى الوقت الراهن لا توجد أفكار حول إعادة بناء النظام الدولى مرة أخرى. كان هناك رهان أن تكون كثافة الاعتماد المتبادل مانعة للحرب، وضامنة للسلام؛ ولكنه كان فى النهاية وسيلة من وسائل العقاب والانتقام. وهناك رهان آخر على استيقاظ مجموعة «البريكس» ولكن هذه تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، واثنان منها متورطان فى الصراعات القائمة، ومساهمان كبيران فى ارتفاع حرارة الأرض؛ والحقيقة أنه لم يخرج من المجموعة حتى الآن ما يوقف لا الحرب ولا الاحتباس الحرارى. هل غياب الفكر هو الفيل الحقيقى فى الحجرة؟!.