النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا

النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا

النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا

 العرب اليوم -

النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا

بقلم - سعد الدين إبراهيم

لعالِم الاجتماع الجليل روبرت ميرتون R.Merton نظرية صاغها فى ستينيات القرن العشرين حول النتائج غير المتوقعة للسلوك الإنسانى. من ذلك مثلاً أن منَ اخترع السيارة كارل بنز، كان يُفكر فى وسيلة انتقال سريعة، بدلاً من العربات التى كان يجرها البغال، ولكن لم يخطر بباله أن ذلك الاختراع ستصبح له وظائف أخرى، إلى جانب ذلك فقد أصبحت السيارة من حيث الشكل، والقوة، والحجم، وقوة المُحرك، أى الموتور، محسوبة كما لو كانت عدداً من الأحصنة، أى أن السيارة رمز للوجاهة والمكانة الاجتماعية.
أكثر من ذلك تأثير اختراع وانتشار السيارات، ومنها الملاكى، على السلوك الرومانسى للنساء والرجال على السواء، ابتداءً من عشرينيات القرن الماضى. الأمر الذى لم يخطر على بال السيد كارل بنز، كما لم يخطر على بال السيد جيرهام بيل، مخترع الهاتف، أنه سيحدث عِدة ثورات انتقالية فى العالم كله، وكان مقدمة لاختراع التليفون، الذى كان بدوره حلقة فى سلسلة أخرى من الاختراعات.

وبالعودة إلى عالم الاجتماع روبرت ميرتون هو وتلاميذه، ورصدهم لمبتكرات أدى كل منها إلى سلسلة لا نهائية من المبتكرات الأخرى. ولكن أيضاً هناك سلوكيات فردية كانت سبباً، أو همزة وصل، أو فتيلاً لانفجارات كُبرى، أو حتى حروباً عالمية - مثل محاولة الشاب الصربى غافريلو برانسيب اغتيال ولى عهد النمسا، عام 1914، وهو ما أشعل أول حرب عالمية، شاركت فيها أكثر من ثلاثين دولة، واستمرت أربع سنوات (1914-1918)، وراح ضحيتها أكثر من عشرين مليوناً، وضعفهم من الجرحى والمشردين، وغيّرت خريطة العالم فى أربع قارات (أوروبا، وآسيا، وأمريكا، وإفريقيا).

ومع نفس نظرية روبرت ميرتون وآخر تجلياتها فى حدث واحد، وهو غزو روسيا لجارتها أوكرانيا (فى فبراير 2022). وكانت حساباته وأجهزة مُخابراته تؤكد له أن تِلك العملية لا تستغرق أكثر من سبع ساعات، يتم فيها وصول طلائع القوات الروسية إلى مشارف العاصمة كييف، ليستسلم الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، ويُسلّم بالمطالب الروسية بضم ثلاثة أقاليم أوكرانية، يسكنها أغلبية عِرقية سُلافية، يتحدثون الروسية، مع التعهد بعدم انضمام أوكرانيا، لا إلى الاتحاد الأوروبى ولا إلى شمال الأطلنطى.

ولكن المقاومة الشرسة للأوكرانيين، جيشاً وشعباً، عطلت طابور الدبابات الروسية فى منتصف الطريق إلى كييف، وجعلت منه أهدافاً سهلة للأوكرانيين لعِدة أسابيع، ثم لعِدة شهور. ورغم السيادة الجوية الروسية على سماء المعركة، إلا أن الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة وبُلدان حِلف الناتو الثلاثين، وجدوها فُرصة لاستنزاف روسيا بوتين بشرياً واقتصادياً، وبالنسبة لأمريكا خصوصاً وجدها الرئيس جو بايدن فُرصة لتعويض بلاده عن خروجها المُهين من أفغانستان والعِراق.

من ذلك أن أمريكا وحُلفاءها، دون أن يتدخلوا بقواتهم عسكرياً، اعترفوا لأوكرانيا بآخر ما فى ترسانتها من الأسلحة التقليدية (أى غير النووية)، وتدريب الأطقم الأوكرانية.

كذلك على سبيل الدعم غير المباشر، وبالمعلومات، استصدر أولئك الحُلفاء عِدة قرارات من الأمم المتحدة عقوبات دولية لتجميد أرصدة روسيا فى الخارج، ومُصادرتها، وتجميد الأرصدة والحسابات الشخصية للرئيس بوتين، وزوجته وابنته فى البنوك الغربية، وكذلك مستشاره وفئة رجال الأعمال القريبين منه، والذين يُطلق عليهم بالسياسة مصطلح الأوليجارش، أو الأوليجارشية، الذين هم أشبه بالحاشية فى الأنظمة الملكية، وبمراكز القوة فى الأنظمة السلطوية فى بُلدان العالم الثالث.

أكثر من ذلك ما أثارته مغامرة بوتين فى أوكرانيا، وقبلها فى جمهوريات آسيا الوسطى، التى كانت سابقاً جمهوريات الاتحاد السوفيتى، الذى انهار فى أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وحاول بوتين إعادة إخضاعها لموسكو تحت مصطلح الاتحاد الفيدرالى الروسى، فقررت بُلدان اسكندنافية، ظلت مُحايدة طوال المائة سنة الأخيرة، التخلى عن حيادها، وطلبت الانضمام إلى حِلف الأطلنطى، وفى مقدمتها أوكرانيا نفسها وفنلندا والسويد. وبذلك امتدت وتضاعفت الحدود المشتركة من تِلك الدول فى البلطيق أكثر من ألف ميل.

وهكذا أدى طموح بوتين فى استعادة أمجاد روسيا العُنصرية (بين القرنين السادس عشر والعشرين)، إلى نتائج عكسية غير متوقعة لم يحسب لها بوتين كل حساب.

فتحية لعالم الاجتماع الراحل روبرت ميرتون.

وعلى الله قصد السبيل

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab