بقلم - لحسن حداد
يعتمد المغرب على المصادر الأحفورية للطاقة بشكل كبير، ومن شأن طموحاته الكبرى فيما يخص الاستثمار في الطاقات المتجددة وسياسته الداعمة للانتقال الطاقي، تغيير هذا المعطى على المدى الطويل. غير أن المتغيرات الجيوستراتيجية والتحولات التكنولوجية في ميدان الطاقات المتجددة واعتماد تكتلات مثل الاتحاد الأوروبي (الشريك الأول للمغرب) سياسات تخص معايير جديدة تخص مستوى انبعاث الكربون في الطاقة المستعمَلة، من أجل الإنتاج الصناعي واعتماد تصنيف جديد انتقالي للطاقات المتجددة وغير المتجددة الأقل تلويثاً مثل الغاز والطاقة النووية... من شأن كل هذا أن يطرح تحديات على مستوى الاستثمار ومردوديته وتكييف التكنولوجيا مع التطورات المستقبلية خصوصاً فيما يخص الإنتاج والتخزين والنقل والاستعمال الصناعي.
الأسئلة التي تطرح نفسها على واضعي القرار الطاقي هي مصيرية وتتطلب ذكاءً استراتيجياً ورؤى مستقبلية مبنية على معطيات غير متوفرة الآن، ولكن يجب تصورها بشكل دقيق، آخذين بعين الاعتبار منحى التطورات التكنولوجية في الميدان الطاقي والدراسات المستقبلية الجيوستراتيجية الخاصة بالطاقة، والتطورات الجيوسياسية العامة وتطورات الاستهلاك، في ظل التغيرات السلوكية التي ستطرحها ثقافة الاستدامة والمسؤولية تجاه الأرض والموارد الطبيعية خصوصاً لدى الأجيال الصاعدة.
السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو: كيف يلائم بين الاستثمارات الطويلة الأمد في ميدان الغاز الطبيعي من جهة، وسياسة التحول نحو الطاقات البديلة من جهة أخرى، خصوصاً أن أوروبا ستنتقل خلال عشرين إلى ثلاثين سنة نحو الاستمرار في دعم الطاقة الشمسية والريحية والهيدروليكية والهيدروجين الأخضر، واعتبار ما غير ذلك ملوثاً، أي ما يتعدى سقف المائة غرام من الانبعاثات للكيلواط الواحد من الطاقة؟
الغاز الطبيعي وفي التصنيف الجديد للاتحاد الأوروبي قد يتم اعتباره «طاقة تحولية»، أي إنه سيتم السماح بتعدي سقف المائة غرام إلى نحو مائتين وسبعين غراماً، إذا تم بناء المحطات التي ستشتغل بالغاز قبل 2030 وتم التحول إلى غازات أقل تلويثاً قبل 2036، وإذا كانت هذه المحطات ستحل محل محطات أكثر تلويثاً تشتغل بالفحم الحجري أو الفيول (أوروبا كلها، فهم أوروبا، «البيئة: ما هو التصنيف الأخضر للاتحاد الأوروبي؟»).
إن الاستثمارات التي يقوم بها المغرب في ميدان الغاز ستكون لها مردودية على المدى المتوسط والطويل، ولكن في غضون عشرين أو ثلاثين سنة من المحتمل أن يكون هناك تحول طاقي قد لا يلعب فيه الغاز الطبيعي دوراً أساسياً في المزيج الطاقي المستقبلي. يجب القيام بدراسات توقعية مالية واقتصادية من أجل تحديد مدى نجاعة هذه الاستثمارات وما الاستثمارات المستقبلية لاستبدال الغاز الأقل تلويثاً بالغاز الملوث، وكيف يمكن التزود به على المستوى الدولي، وما مدى ملاءمة ذلك مع توجهات الشركاء الاقتصاديين؟
سؤال آخر يطرح نفسه بإلحاح يتعلق بالاستثمار في الطاقات المتجددة (خصوصاً الشمسية)، وهو ميدان يعرف تطورات تكنولوجية مهمة تهمّ عملية جمع الأشعة وتخزين الحرارة، والتي قد تجعل الإنتاج أقل تكلفة على المدى المتوسط، كلٌّ في علاقته مع التزام الدولة بشراء الطاقة بثمن معين لضمان حقوق المستثمرين. هذا ما يجعل الاعتماد على الإنتاج الذاتي للطاقة مثيراً للجدل لأنه سيخلق منافسة في السوق قد تؤثر على حقوق المستثمرين والتزامات الدولة. لا يعني هذا أننا يجب ألا نستمر في الاستثمار في الطاقات الشمسية والربحية، ولكن الاختيارات الحالية قد تكون لها عواقب مالية واقتصادية يجب توقعها وتبيان كيفية تجاوزها على المديين المتوسط والطويل.
وماذا عن الطاقة النووية؟ نعم أوروبا منقسمة حول الموضوع، لكنه جرى إدماج الطاقة النووية في التصنيف الجديد مع شروط تتعلق بالسلامة، خصوصاً في تدبير النفايات النووية. في المغرب نتحدث عن الطاقة النووية كأحد مكونات المزيج الطاقي المستقبلي، ولكن التصور ما زال غير مكتمل. أظن أن تحلية مياه البحر قد تكون ممكنة مستقبلاً عبر محطات تشتغل بالطاقة النووية على طول شواطئ المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. الاستثمار يكون في مفاعلات متوسطة لا تتطلب استثماراً كبيراً، ويتم تخزين النفايات عبر تقنيات جديدة تم تطويرها في السويد وفنلندا (حسب الخبير النووي المغربي الخمار لمرابط)، ويمكن البحث عن مصادر دائمة للتزود باليورانيوم من خلال معادن مثل الفوسفات أو غيرها.
الاستراتيجية الطاقية للمغرب والتي تتمثل في النجاعة الطاقية وتعبئة الموارد الطاقية الداخلية، وضمان التزود المستمر وتعميم الولوج إلى الطاقة وربط المغرب مع محيطه الجهوي والاستدامة، لم تعطِ أُكُلها بشكل واضح (ميديا 24، «الاستراتيجية الطاقة: المغرب إلى أين؟»، 24 أبريل «نيسان» 2021). لم يتم تحقيق الكثير فيما يخص النجاعة، بينما تم التقدم بشكل نسبي على مستوى الطاقات المتجددة، والإنتاج الفردي للطاقة يصطدم بعراقيل قانونية، بينما المخطط الغازي يبارح مكانه ولم يخرج للوجود رغم تصريحات وزراء الطاقة منذ 2012 (نفس المصدر).
إن وضعية المكتب الوطني (المغربي) للماء والكهرباء المالية، والذي يعتمد عليه الأمن الطاقي للبلاد، تدعو إلى معالجة حقيقية وواقعية. نعم تمت المساهمة في تحسين حكامة القطاع عبر خلق الهيئة الوطنية لتقنين الكهرباء، ولكن يجب تقوية دورها وضمان استقلاليتها ونجاعة تدخلاتها.
كل هذا يعني أن الأمن الطاقي للمغرب لن يتحقق من دون طرح الأسئلة المحرجة ووضع سيناريوهات مستقبلية قابلة للتفعيل في ظل استثمارات ثقيلة التكلفة والبنية، وفي ظل التحولات التكنولوجية والجيوستراتيجية الحاضرة والمستقبلية المؤثرة على ميدان الطاقة.
الطلب على الغاز كمصدر للتدفئة ولتشغيل المحطات الحرارية سيرتفع إلى نحو 180 تريليون قدم مربعة في غضون 2040، أي بتطور قد يصل إلى أكثر من ستين في المائة، مقارنةً مع نسبة الاستهلاك الحالية (مجلس العلاقات الخارجية، «احتياطيات الغاز الطبيعي» 2011). بناء الأنابيب الضخمة سيتطلب استثمارات هائلة وهذا سيكون له تأثير على بنية الأسعار وعلى الماليات العمومية، حيث ستتدخل الحكومات لدعم الفئات الضعيفة وتخفيف الضغط عليها.
التحدي بالنسبة إلى المغرب هو: كيف يتم تحويل الدعم إلى مساعدات مباشرة تستهدف الفقراء والطبقات المتوسطة وتستثني الميسورين والمقاولات الكبرى. الدعم المباشر عبر تحويلات نقدية لفئات يتم تحديدها عبر السجل الاجتماعي الموحّد هو الحل، ولكن يجب تدبير الانتقال إليه بحنكة سياسية وتواصل وبيداغوجيا حتى لا يتم استغلاله لخدمة أجندات شعبوية أو سياسوية.
الطاقة ليست مسألة إنتاج وتزود وتوزيع وتحكم في الأسعار فقط. إنها قضية سياسية وجيوسياسية وجيوستراتيجية بامتياز. اختيارات الحاضر تحكم رهانات المستقبل بشكل كبير. وهذا المستقبل متحول بشكل لا يمكن التكهن به بشكلٍ علمي مائة في المائة. ولكن الدراسات المستقبلية وعلم المستقبليات والتحولات التكنولوجية والاقتصادية والجيوستراتيجية الحالية والمستقبلية تعطينا فكرة عن علم سياسة الطاقة المستقبلي. على المغرب التسلح بهذا العلم لوضع تصور شمولي مرن، وعلمي، وقابل للتحقيق لمستقبله الطاقي وأمنه الطاقي في أفق 2050 وما بعد.