خمسٌ وعشرون سنة من هندسة التغيير في المغرب

خمسٌ وعشرون سنة من هندسة التغيير في المغرب

خمسٌ وعشرون سنة من هندسة التغيير في المغرب

 العرب اليوم -

خمسٌ وعشرون سنة من هندسة التغيير في المغرب

بقلم: لحسن حداد

حين تُقارِن مغربَ 1999، سنة تربُّعِ الملك محمد السادس على عرش المملكة المغربية، ومغرب 2024، تجد أن البلد تحوَّل من دولة إقليمية متوسطة الدخل، ذات اقتصاد لا بأس به، ضعيفٍ في بعض جوانبه، ومستحسنٍ في جوانب أخرى، إلى دولة فاعلة إقليمياً وقارياً ودولياً، ذات اقتصاد متنوع ونشيط وذي مناعة قوية، تتمتع بناتج داخلي يقارب 160 مليار دولار، مستعدة لولوج نادي الدول الصاعدة في غضون السنوات العشر المقبلة.

ماذا وقع؟ ما الأسباب التي جعلت الاقتصاد المغربي ينمو بهذه الوتيرة، وجعلت الناتج الداخلي يتضاعف أكثر من 3 مرات، وأدَّت إلى نمو الطبقة الوسطى بشكل ملحوظ، وتسبَّبَت في انخفاض الفقر إلى أدنى مستوياته، وأكْسبَتْ المقاولات قدرة تنافسية مشهوداً لها دولياً، خصوصاً على مستوى «المهن العالمية للمغرب»؟

يحتاج التغيير لريادة، والريادة هي انتصار للسياسة، لأن التغيير لا يكون بالمقاربة ‏التكنوقراطية المحدودة. لهذا، فمغرب «العهد الجديد» الذي أسّس له الملك محمد السادس عرف منذ اللحظات الأولى رغبة ملحة في تقويم الاعوجاجات وسن السياسات العمومية الجريئة ومواجهة التحديات بحسّ سياسي قوي. والريادة تعني اعتماد رؤى مستقبلية واضحة، وهذا ما تبناه الملك محمد السادس، سواء ما يخصّ الدمقرطة والتحديث السياسي أو السياسات الاقتصادية القطاعية أو مقاربات اجتماعية تتوخى محاربة الفقر والهشاشة وتمكين الفئات المهمَّشة.

وتقتضي الريادة كذلك نوعاً من الإحساس بمعاناة الآخرين، ووضع أنظمة للتتبع والمساءلة، واتخاذ القرارات، وتفويض المسؤولية، والتعلم المستمر والاستفادة من الدروس، وهذه كلها ممارسات أصبحت لازمة للسياسات العمومية، وكانت تأتي بإيعاز من الملك محمد السادس الذي كان ولا يزال يستعمل المناسبات الرسمية للتواصل (والتواصل ركن من أركان الريادة كذلك) ووضع التصورات والمقاربات التي تُلهِم وتُحَفِّزُ الفرقاء في عملهم وخططهم وطرق تدبيرهم.

سببٌ آخر جعل المغرب يخطو خطوات جبارة نحو التحديث والدمقرطة منذ 1999 حتى الآن، هو الجرأة وعدم الخوف، سواء من الماضي أو الحاضر أو المستقبل. هكذا قاد الملك محمد السادس المغاربة للتصالح مع الماضي بآلامه وجراحه، وقاد تغيير مدونة الأسرة لتعزيز حقوق المرأة، مع إعمال مبدأ الاجتهاد فيما يخص القضايا التي لها ارتباط بالدين. وواجه المغرب بقيادة الملك محمد السادس رياح الربيع العربي الساخنة بشجاعة فريدة، حين اقترح تغيير الدستور والتجاوب مع مطالب ما يسمى بـ«شباب 20 فبراير». ورغم جائحة «كورونا» والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلَّفتها، فإن العاهل المغربي أكد على ضرورة الاستثمار في القدرات بتبني منظومة شاملة للحماية الاجتماعية.

ولكن الطريق خلال الـ25 سنة لم تكن دائماً مُعبَّدةً ودون عقبات ولا تحديات. عوَّد الملك محمد السادس المغاربة على قول الحقيقة حين لا تؤدي السياسات إلى الأهداف المنشودة. هكذا في 2017، نادى بوضع نموذج تنموي جديد، لأن الإصلاحات وإن أعطت أكلها فإنها لم تحقق أهداف العدالة الاجتماعية والمجالية، ولم تؤدِّ إلى النمو المستدام والمطرد المنشود. وحين عرّت جائحة «كورونا» هشاشة المنظومة الاجتماعية، دعا العاهل المغربي إلى وضع منظومة متكاملة للتغطية الاجتماعية، تشمل التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل والتقاعد، مرفقة بتأهيل بنية الاستقبال والخدمات الصحية وإصلاح أنظمة التقاعد، في إطار حوار اجتماعي يؤدي إلى توافق سياسي بين كل الفرقاء الاجتماعيين.

وأظن كذلك أن أحد الأسباب التي أدت إلى التحولات الكبرى التي شهدها المغرب في عهد محمد السادس هو ما أسميه بـ«المقاربة المضادة للدورات». أي الاستثمار في زمن الأزمة. رفع المغرب من وتيرة الاستثمارات بعد الأزمة المالية لـ2008 وما تلاها من اضطرابات. الفكرة هي أنه في زمن الأزمة يجب الاستعداد لما بعدها. الحكومات التي تسلك طريق التقشف قد تحافظ على توازناتها الماكرو اقتصادية بشكل صارم، ولكنها لا تستثمر في المستقبل حين تمر العاصفة ويدق جرس إعادة الانطلاقة. في خضم تدبير مخلفات جائحة «كورونا»، أمر الملك محمد السادس بالاستثمار في القدرات البشرية للمغاربة، عبر تعميم التغطية الاجتماعية. هذا استثمار في المستقبل، لأن الأمن الصحي أساسي لمجتمع نشيط ومنتج وخالق للثروة.

أخيراً، التموقع في المستقبل من سمات الريادة. لكنها كذلك من سمات الحكامة الجيدة، لأن القادة الكبار يضعون الرؤيا، حول كيف يتصورون النجاح في المستقبل، التي على أساسها تُبْنى الاستراتيجيات وخطط العمل الحكومية التي يتم تنفيذها، عبر موازنات سنوية واضحة المعالم والمؤشرات. هذا التدبير بالنتائج هو أساس نجاح التجربة المغربية. العبرة بالنتائج، والنتائج المرحلية تؤسّس للنجاحات على مستويات أعلى، وهكذا دواليك، إلى أن تصل إلى تجسيد الرؤيا، أي الولوج إلى نادي الدول الصاعدة وتحقيق العيش الكريم لكل المواطنين، في إطار مجتمع حرّ وديمقراطي، واقتصاد مبني على المعرفة والثقافة واستدامة الموارد، وعلى إشعاع جهوي ودولي، يساهم في التعايش والسلم والتعاون بين الشعوب.

arabstoday

GMT 08:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

بئس

GMT 08:02 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

«ويلٌ للمهزوم»... وويلٌ للمنتصر

GMT 08:00 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

من جديد «صحوة البحر الأحمر»

GMT 07:58 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

القربُ الموَلِّد بُعداً!

GMT 07:56 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

لا يوجد جنود فاشلون... فقط جنرالات فاشلة

GMT 07:54 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

الضحك على رمز البراءة في غزة

GMT 07:51 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

عن قمة الرياض للذكاء الاصطناعي

GMT 06:50 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

المؤثرون عنصر حاسم فى الانتخابات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خمسٌ وعشرون سنة من هندسة التغيير في المغرب خمسٌ وعشرون سنة من هندسة التغيير في المغرب



هيفاء وهبي تتألق في إطلالة مُميزة بصيحة البولكا دوت

القاهرة - العرب اليوم

GMT 15:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال
 العرب اليوم - أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال

GMT 08:00 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

من جديد «صحوة البحر الأحمر»

GMT 08:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

بئس

GMT 15:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال

GMT 07:25 2024 الجمعة ,30 آب / أغسطس

لماذا تتضاءل أهمية الوساطات والتفاوض؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab