عملية تجميل للاقتصاد السعودي

عملية تجميل للاقتصاد السعودي

عملية تجميل للاقتصاد السعودي

 العرب اليوم -

عملية تجميل للاقتصاد السعودي

بقلم جمال خاشقجي

الاقتصاد السعودي في حاجة إلى عملية تجميل، فهو غير متناسق، مثقل بالدهون في بعض جسده إلى درجة التشوه، رشيق في منطقة أخرى، لذلك لا بد من عمليات جراحية لشفط تلك الدهون التي تثقله وتشوه محياه الجميل في قطاعات أخرى.

يبدو أن الدولة في صدد إجراء تلك العملية، فقبل أيام صدر قرار لم تنتبه إليه الصحف، يقضي بسعودة قطاع بيع وصيانة الهواتف المحمولة. بالطبع الخبر غير مهم إذا كان القرار معنياً فقط بهذا القطاع، الذي لا يمثل نسبة مهمة في الاقتصاد الوطني، فالعاملون فيه لا يتجاوزون 20 ألفاً، وبضعة آلاف أقل من المستثمرين، ولكن إذا كان كما يتردد في أروقة وزارة العمل والتخطيط، فإنه «البداية» لسعودة قطاع التجزئة بالكامل، فهذا سيعمل فرقاً هائلاً في بنية الاقتصاد السعودية، وبيئة العمل ومحفزاته، بل سيغير تفاصيل الحياة الاجتماعية للمواطن بتقليص المدن، وتخفيف الازدحام، وتنظيم ساعات العمل، واختفاء مئات الآلاف من المتاجر الفائضة عن الحاجة، والتي جعلت مدينة كالرياض تفوق مدن العالم في نسبة الأمتار المخصصة للتجارة، بالنسبة إلى عدد السكان. هذه حال تشوه هائلة حان الوقت للاعتراف بها وإجراء جراحة لاستئصالها، ولكنها ستؤدي إلى تلك الجملة البغيضة التي يكرهها بالتأكيد الاقتصاديون في وزارتي المالية والتخطيط: «انكماش الاقتصاد»، ولكن هل هذا سيء للاقتصاد الكلي السعودي؟

الاقتصادي السعودي والكاتب برجس البرجس يرى أن المملكة في حاجة إلى اقتصاد إنتاجي يحررها من الاعتماد المبالغ فيه على النفط، الذي يعاني الآن وستظل معاناته قائمة سنوات عدة، مع توافر فائض في الإنتاج يصل إلى بليون برميل خلال السنوات الثلاث المقبلة على الأقل. إنه يريد زيادة في الناتج القومي، وكذلك خطة ماكينزي التي ينتقدها تريد الأمر ذاته، ولكن متاجر التجزئة والخدمات والمطاعم المدارة والمتملكة من أجانب لا تصب في تلك الزيادة، التي تنعكس في قدرة المملكة على تنويع مصادر دخلها ليخف اعتمادها على النفط، إنها أصلاً ليست مصادر دخل.

في ظل معطيات سوق النفط يكون الانكماش الحل المناسب، إذ سيخفف أيضاً من أعباء دعم السلع ومعيشة بضعة ملايين من البشر لا يضيفون ناتجاً إلى الاقتصاد الوطني، لا في شكل ضرائب ولا تصدير، ما يستوجب أن كل المعطيات تشير إلى ضرورة تكيف الاقتصاد مع سعر برميل نفط منخفض، وحتى لو حصلت المعجزة وعادت أسعار برميل النفط إلى الثمانين دولاراً لتغطي كلفة حاجات الدولة الأساسية، وهي رواتب الموظفين التي بالكاد تتوافر بسعر البرميل الحالي، الذي يحوم حول الثلاثين دولاراً، ليتوجه ما فوقها إلى مشاريع التحول الوطني والقطاع الخاص. فعلينا الاتعاظ بتجربة الطفرتين، طفرة السبعينات في القرن الماضي، وطفرة العشرية الأولى من هذا القرن، التي فتحت شهيتنا لإنفاق من لا يخشى الفقر، فلا نكرر خطأهما، ونتبع سياسة نبي الله يوسف الاقتصادية المروية في كتابه الحكيم: «يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ».

فلكي تكون كل أعوامنا مما يغاث الناس فيها ويعصرون علينا رفع قرشنا الأبيض ليومنا الأسود، وهو تقريباً ما نفعله الآن، إذ يمضي اقتصاد المملكة مستقراً، بفضل قروشنا البيضاء التي تفيض على تريليوني ريال، ولكن انخفاض أسعار النفط والتزامات الدولة عظمت تشاؤم الاقتصاديين خوفاً عليها، ما لم تحصل عمليات ترشيد وإصلاح بنيوي في الاقتصاد، وهو ما يبدو أن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منكب عليه، من خلال مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، الذي يضم وزراء وخبراء يديرون ويخططون لأخطر تحدٍّ يواجه المملكة.

اشتهر د. برجس بمقالته المفصلية «خطة ماكينزي 246» التي قد تكون أكثر المقالات انتشاراً وقراءة العام الماضي، إذ تداولها السعوديون بالبريد الإلكتروني ورسائل «واتس آب» وأضحت حديث المجالس، والجيد أنها لم تغضب أحداً. وغير الجيد، أنه لم يرد أحد أن يوضح ما إذا بالغ الدكتور في تشاؤمه، ما يشي بأن مخاوفه التي أوضحها في المقالة حقيقية وتستدعي الاحترام والمناقشة. وقد تواصل معه كثير من المسؤولين يطلبون رأيه، ولكنه يريد شفافية أكثر وحواراً أكثر صراحة حول هذا التحدي الكبير.

أهم ما جاء في مقالته هو الجملة الآتية: «وزارة التخطيط والاقتصاد أوكلت مهمة إعداد خطة المملكة العربية السعودية ما بعد النفط، التحول إلى الاستثمار والإنتاجية، إلى شركة ماكينزي الاستشارية، التي اعتمدت خطة (2-4-6) وهي ترمز إلى: (2) أي مضاعفة حجم اقتصاد المملكة في 15 عاماً ليصل إلى 6 تريليونات ريال، وترمز الـ (4) إلى أن القطاع الخاص سيستثمر 4 تريليونات دولار، أي 15 تريليون ريال خلال الـ 15 سنة المقبلة ليوّلد 6 ملايين وظيفة للسعوديين، وهي الرمز الأخير (6)».

يعتقد برجس البرجس بأن شرط ماكينزي لمضاعفة حجم الاقتصاد بضخ 15 تريليون ريال في الاقتصاد كي يستطيع توفير 6 ملايين وظيفة للسعوديين، مستحيل! وهو محق في ذلك، فاحتياط المملكة يزيد بقليل - قبل السحب الحالي منه - على 2.6 تريليون ريال، وموجودات القطاع الخاص في الداخل والخارج لا تزيد على 3.5 بليون، واحتمال أن تأتي استثمارات أجنبية لتغطية الفرق هو أكثر من مستحيل، فما الحل؟

هذا سبب آخر كي تكون عملية «كمش الاقتصاد» بيد الدولة لا بيد عمرو، لنعيد النظر في الأولويات. أيهما أهم، أن تحقق المملكة رقماً متقدماً بين اقتصادات الدول النامية، وتحتفظ بموقعها بين مجموعة الدول الـ 20 الذي تفخر به، والذي يعتمد في حقيقته على أسعار النفط المرتفعة، وبين توفير حياة سعيدة ووظيفة لمواطنيها؟ أعتقد بأن الأولوية يجب أن تعطى للخيار الثاني سياسياً واقتصادياً معاً، فتوفير بيت، وتعليم جيد، ورعاية صحية، وحياة سعيدة أفضل من أرقام نلوّح بها ولا تنعكس على حياة المواطن.

لعل حتى د. برجس سيختلف معي هنا، إذ إن «الانكماش» عبارة لا يحبها الاقتصاديون كما ذكرت، فهو يريد اقتصاداً إنتاجياً تصديرياً يكون موازياً لدخل النفط الذي لا يريد أحد أن يكون المصدر الأساس للدخل، ولكن كيف سنحقق ذلك الاقتصاد في ظل المعطيات السابقة، ومع حال التشوه التي يعيشها الاقتصاد الحالي؟

ليكن انكماشا موقتاً، أو لنقل تصحيحاً لواقع السوق حتى تتحقق معادلة «خلق الوظائف للسعوديين» لا «خلق الوظائف فقط»، وبعدما تستقر هذه المعادلة، وتترسخ ثقافة العمل بيننا، وتظهر طبقة عمالية وتجارية سعودية، وتستعيد موقعها بوصفها طبقة وسطى محركة للتنمية، فنتوسع بعد ذلك إلى ما نشاء، وكي لا نكون كالكريم الذي أطعم ضيفه وأهلك أهله.

arabstoday

GMT 04:45 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

صواريخ إيران وقميص خاشقجي

GMT 05:03 2021 الأحد ,28 شباط / فبراير

تقرير خاشقجي: انطباعات جوفاء بلا قيمة

GMT 21:27 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يعني حضور محمد بن سلمان قمة العشرين؟

GMT 07:27 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

من مفكرة الأسبوع

GMT 07:07 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

التوقعات في أزمة «خاشقجي»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عملية تجميل للاقتصاد السعودي عملية تجميل للاقتصاد السعودي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab