صناعة الكوابيس في السعودية

صناعة الكوابيس في السعودية

صناعة الكوابيس في السعودية

 العرب اليوم -

صناعة الكوابيس في السعودية

جمال خاشقجي

كأننا لا تكفينا نحن - السعوديين - إيران وكوابيسها التي تحيط بنا من كل جانب، فنصرّ على صناعة كوابيس من بيننا، تفرق صفنا وتوهن عزيمتنا.

قبل عقد من الزمان، نشرتُ مقالة عنوانها: «الاستقواء بصناعة الكوابيس»، كنا في زمن الصحوة من التشدد الذي أصاب مجتمعنا وتسلل إلى عقولنا ومدارسنا ومناهجنا ومنابرنا، ولم ننتبه إليه أو نعترف به إلا يوم 11 أيلول (سبتمبر) الشهير وما تبعه. في ذلك الزمن، وبقيادة ولي العهد السعودي آنذاك الراحل الملك عبدالله، الذي نستذكر رحيله هذه الأيام قبل عام مضى، أخذنا في شكل متدرج نطرق أبواب الانفتاح ورفض التشدد. كانت كلماته نبراساً للمثقفين، مثل قوله: «نحن جزء من العالم ولا يمكن أن ننسلخ عنه». وكان بيننا من يريدنا بالفعل أن ننسلخ عن العالم، تارة بزعم «الخصوصية»، وتارة أخرى بالقول إننا فسطاط وهم فسطاط آخر والتباين بيننا عقدي وفكري. مثل هذه الأفكار وجدت طريقها حتى إلى مناهج أبنائنا الدراسية، فورد فيها أننا أمة لا يجوز أن تكون ضمن الهيئات الدولية. لمواجهة هذا الانفتاح حاول الرافضون له «صناعة كوابيس» قائلين: إنه سيفضي في النهاية إلى تغريبنا، وإخراج نسائنا من خدورهن، وإفسادهن، وإن المملكة مستهدفة بوصفها آخر دولة إسلامية تحكم بالشريعة.

صناعة الكوابيس تكتيك قديم، تستخدمه أية حركة مؤدلجة أو فاشية، تقوم على تخويف العامة من خطر داهم قادم، ثم تسمي لهم مكان هذا الخطر وأشخاصه، فتستفيد بتجميع الأنصار الخائفين حولها، ما يبرر وجودها وخطابها، يمكن أن تجد في الهجمة على الحداثة خلال الثمانينات، التي قادها التيار المتدين في السعودية، أو الصحوي كما يسمى، أول تجليات صناعة الكوابيس، ثم تلتها هجمات تتهم الخصوم بالتغريب، والليبرالية، والعلمانية. لا بد من تسمية أسماء لتكون هدفاً، قد يكون روائياً أو شاعراً أو حتى وزيراً، تجمع أقواله وتحمّلها ما لا تحتمل، وتعززها بتحليلات سياسية تقوم على جمع أدلة ظرفية لتأسيس حال «كابوس» داهم يجب التنبه إليه والحشد ضده.

في مقالتي المشار إليها، رويت كيف جمعنا أسامة بن لادن، في بدايات حرب تحرير الكويت، وقدم قراءة كابوسية لمستقبل المملكة، مؤامرة لتغيير نظام الحكم فيها وإلغاء الشريعة، وتغريبها، يخطط لها الأميركيون، وأنهم لن يخرجوا من البلاد إلا وقد تغير وجه البلاد وبات على رأسها رئيس وزراء علماني، خطاب كهذا يفيد صاحب الحركة المؤدلجة في جمع الأنصار حتى يحموا معه البلاد من الكابوس الذي صنعه لهم.

أكثرت بعد نشري المقالة من استخدام مصطلح «صناعة الكوابيس» للدلالة على خطر هذا الخطاب الذي يفكك المجتمع، وينشر الشك فيه، بخاصة أنه يعمد إلى استعداء السلطة على مواطنيها، وزملائهم في الجامعة أو حتى في الصحيفة، فتنتشر كتابة التقارير والكيد والبحث في النيات، ولكنني استُفززت بذلك كثيراً من تيار الصحوة، حتى أن أحدهم، وهو أستاذ إعلام جامعي ولا يزال نشيطاً في «صناعة الكوابيس»، هجاني بقصيدة ركيكة بدأها بقوله «ما غير حرفك صناع الكوابيس ++ وضح النهار ومن خلف الكواليس».

اليوم أعود إلى انتقاد صناع الكوابيس، بعدما انتقلوا إلى المعسكر الآخر. إنهم الليبراليون أنفسهم، الذين اتُهموا من الصناع الأوائل بأنهم خطر على البلاد، ويستحقون الإبعاد والإقصاء، فإذا بهم يكررون السقوط نفسه ضد من اشتكوا منهم بالأمس، فهذا يدعو إلى تتبع «الإخوان المسلمين» في السعودية «لأنهم أخطر من داعش» وفصلهم من وظائفهم وإقصائهم من مواقع التأثير، وذاك يتتبع «السرورية» وأنهم الخطر الداهم «لتلونهم وتماهيهم مع الخطاب السائد»، بل ذهب يدعو إلى هيئة عليا لاجتثاثهم! نعم، قال تلك الكلمة النازية «اجتثاث»، فكم معسكراً صحراوياً نحتاج لشحنهم إليه؟ ولكن لا أحد يستطيع أن يحدد، من هم «الإخوان» ومن هم «السرورية» كي يتم اجتثاثهم بنجاح؟ لا أحد يعرف، ذلك أنهم تنظيم سري كما يقول صناع الكوابيس الجدد.

النتيجة نشر ثقافة الشك والاتهام والتوجس، فمثلما كان الشاعر المبدع عرضة للاتهام بالحداثة، التي قرر الشيخ المحب للوطن والغيور على الدين والذي بات كهلاً: إنها كفر وإلحاد، فسيتهم الليبراليُّ الوطنيَّ المتدين والمهتم بغزة مثلاً، أو المقتني كتاب «أشواق الحرية» لنواف القديمي، بأنه متآمر خطر، و «إخوانجي» عتيد، مبايع للمرشد، جزء من المؤامرة الأميركية القطرية التركية المتوهمة قلب أنظمة الحكم في المنطقة.

من العبث الجمع أو التوفيق بين «كوابيس» هذه القبائل المؤدلجة، ولا يمكن أن يلغي أحدها الآخر، ولا أن تقارع حقائق المتدينين بحقائق الليبراليين حتى يستبين الحق بينهما. الحل في نشر ثقافة التعددية وحرية الرأي وحق الناس في الاختلاف، طالما أنه في إطار النظام العام، وهو نفسه ما دعا إليه مجلس الوزراء السعودي في جلسة رمضانية عام 2008 في واحد من تجليات الراحل الملك عبدالله، فاحتفظت بهذه العبارة لأهميتها «إن المملكة تسعى دوماً لترسيخ قيم الإسلام الأساسية المتمثلة بالعدل، والمساواة، والتكافل، والتسامح، وحق الإنسان في الحياة الكريمة، وفي الحرية المسؤولة، وحق الناس في الاختلاف في حدود ما أباحته الشريعة، وأنه لا ضرر ولا ضرار».

أختتم مقالتي هذه بخاتمة مقالتي القديمة نفسها، على رغم أنني كنت أخاطب يومها التيار الديني. أجد الخاتمة نفسها، من دون أي تغيير، مناسبة للتيار الليبرالي، فالفعل واحد، وإن اختلف الفاعل.

يجب أن تتوقف حال الاستقطاب هذه، والمبادرة يجب أن تأتي من كبار هذا التيار لوقف غلمانهم، فلقد بدأنا جميعاً في دفع الثمن، وسندفعه جميعاً من رصيد وطن لا نملك غيره، لن نتفق وتتطابق آراؤنا ونتحول جميعاً على سمت رجل واحد، سنستمر في فهمنا المختلف للدين، وسنمضي في مسالك عدة في الحياة، وسنتباين في الطباع والسلوكيات الاجتماعية. قد يبدو ذلك للبعض مشكلة، ولكن في التعدد قوة، هذا إذا وسّعنا دائرة السماحة، وهي أصل أصيل في ديننا، فستسعنا نفوسنا قبل أن تسعنا أرضنا.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الكوابيس في السعودية صناعة الكوابيس في السعودية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab