سورية مختلفة فعلاً

سورية مختلفة فعلاً

سورية مختلفة فعلاً

 العرب اليوم -

سورية مختلفة فعلاً

بقلم ـ خالد الدخيل

في 31 كانون الثاني (يناير) 2011 قال الرئيس السوري بشار الأسد في إجابة على أحد الأسئلة إن سورية تختلف عن تونس وعن مصر، وإنها بالتالي بمنأى عما يحصل لهذين البلدين. قال ذلك في سياق حديث مطول مع صحيفة الـ «وول ستريت جورنال» الأميركية. حينها كان الربيع العربي في بدايته. في ذلك التاريخ كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي هرب. الرئيس المصري حسني مبارك كان على بعد 11 يوماً من التنحي. أما بشار الأسد فكان وهو يتحدث للصحيفة الأميركية على بعد شهر ونصف الشهر تقريباً قبل أن تدق موجة الثورة أبواب الشام. استغرب البعض كيف أن هذا الربيع بطموحاته وأهدافه بدأ في تونس وليس في سورية. والأرجح أن الرئيس السوري نفسه كان لا يقل دهشة وفي الوقت ذاته أكثر خوفاً من ذلك. ومع أن الشام كانت آخر محطات موجة الربيع إلا أن خوف الأسد تغلب على دهشته. والخوف أحد مصادر التوحش.

كان الأسد محقاً في ما قاله عن اختلاف سورية، لكن بمعنى لم يصرح به في إجابته. كان في حديثه يبعث برسالة مبطنة إلى السوريين بعدم الانجرار وراء إغراءات الموجة. وكشفت الأحداث هذا المعنى المبطن بأن سورية لم تختلف عن مصر وتونس. ما اختلف لم يكن المجتمع، ولا الناس، وإنما النظام السياسي السوري برئيسه الوريث، وبجيشه وأجهزته الأمنية المتسربلة بعقائدية جعلتها في مواجهة مع الناس منذ 1970. على مدى سبع سنوات من القتل والتدمير الممنهج تبين أن النظام كان يتربص بالشعب، ويتسلح خوفاً من الشعب.

السؤال الذي يثير حيرة المراقبين: كيف لنظام يمارس في حق شعبه هذه البشاعة ويمعن فيها كنهج ثابت، وبدم بارد؟ هناك سؤال ثان لا يقل أهمية: كيف يمكن تفسير الموقف الأميركي مما يحدث لسورية تحديداً؟ لماذا واشنطن مهتمة بالعراق، وليس بسورية وما يحدث لشعبها من مذابح؟ لا حاجة للسؤال عن الموقفين الروسي والإيراني. فالإجابة معروفة على رغم اختلاف هدف كل منهما من وراء الولوغ في الدم السوري.

نبدأ بالسؤال الأول. عندما تقارن نهج النظام السوري في التعامل مع الشعب السوري، حتى قبل أن يولد بشار الأسد، مع النهج الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني، ستجد تماثلاً كبيراً بينهما. هو نهج شرس يتسم بالقسوة والدموية لوأد واستئصال أي معارضة لسياسة النظام. في إسرائيل النظام في حال صراع وجودي مع الفلسطينيين على الأرض. في سورية النظام يعتبر نفسه في حال صراع وجودي مع الشعب ليس على الأرض، وإنما على الحقوق في السياسة والحكم. المشترك بين النظامين السوري والإسرائيلي هو شعور متمكن بالخوف من أقلية قد تستغل أية ثغرة، في أية لحظة، لتنقض من خلالها. وناتج ذلك حساسية أمنية مفرطة لأقلية تمسك بالحكم أمام غالبية كاسحة تشكل في نظر الأقلية مصدر خطر دائم. الإسرائيليون، حكومة وشعباً، يجدون أنفسهم أقلية صغيرة أمام شعب تحت الاحتلال. لكن لهذا الشعب امتدادات قومية ودينية على طول العالم العربي وعرضه. في سورية تحول الحكم بعد 1970 إلى حكم وراثي داخل عائلة علوية، أي تنتمي لأقلية صغيرة. وتبدت ذهنية الأقلية الحاكمة وعلاقتها بالغالبية في أجلى صورها في النموذجين الإسرائيلي والسوري. الأب الروحي لليكود الإسرائيلي زئيف جابوتنسكي أعطى اسماً لهذه الذهنية هو «الجدار الحديدي». يقول في مقالة له عام 1923: «يمكن للاستيطان أن ينمو تحت حماية قوة لا تعتمد على السكان المحليين، بل خلف جدار حديدي هؤلاء السكان أعجز من أن يسقطوه». (انظر The Iron Wall Avi Shlaim, 2000, 13-16) وهو يعنى بالجدار الحديدي قوة الحديد والنار. المفارقة هنا أن علاقة القوة هذه في الحال الإسرائيلية هي علاقة مستوطنين بشعب محتل، وفي الحال السورية هي علاقة نظام حاكم بشعبه، أو ما يفترض أنه كذلك. في هذا الإطار إذا كان الإسرائيليون ينظرون للسياسة الخارجية من زاوية أمنية قبل أي شيء آخر، فإن النظام السوري ينظر للسياسة الداخلية (وليس الخارجية) من الزاوية ذاتها قبل أي شيء آخر.

ماذا عن حكاية المقاومة التي يرددها النظام السوري؟ أمام هذا السؤال ضع نصب عينيك الملاحظات التالية: أن النظام المقاوم لا يعتمد على علاقة قوة مع شعبه كالمشار إليها، ولا يمكن أن يستعين بقوات وميليشيات أجنبية ضد شعبه. فهذه الاستعانة تعني أنه يفتقد قاعدة شعبيه تغنيه عنها، وأنه يتعامل مع شعبه على أنهم أعداء وليسوا مواطنين. ثم كيف لنظام مقاوم أن يطبق في حق شعبه وهو في حال حرب مع العدو مبدأ «إما أن أحكمكم أو أقتلكم»؟ هذا مبدأ سافر للجريمة وليس للمقاومة. والجريمة والمقاومة لا تجتمعان في عقل نظام واحد. وإذا كانت المقاومة هي من أجل الحرية، فالنظام السوري لا يعترف أصلاً بحق للسوريين في الحرية أو في الأمن. والشاهد على ذلك مجازره منذ حماة عام 1982، وفي المعتقلات، وصولاً إلى المجازر المتنقلة بعد الثورة يقترفها بتعمد وإصرار، وآخرها ما يحدث لغوطة دمشق هذه الأيام. في هذا السياق ستلاحظ أن عدد من قتلهم النظام السوري من السوريين حتى قبل الثورة يفوق من استشهد منهم أمام الإسرائيليين. أما بعد الثورة فإن ضحايا النظام من السوريين فقط خلال سبع سنوات (فقط) يفوق بمرات ضحايا الجيش الإسرائيلي من كل العرب خلال 70 سنة من الصراع والحروب.

عندما نأتي للموقف الأميركي سيكون علينا ملاحظة عامل الموقع الجيو- استراتيجي قبل غيره لكل من العراق وسورية. وليس غريباً أن يتكامل هذا الموقف في عدم مبالاته بمصلحة السوريين مع موقف النظام. كانت سورية ولا تزال تحتل موقعاً أقل أهمية من العراق بالنسبة لواشنطن. فالعراق بالنسبة للأخيرة فضلاً عن أنه أغنى وأكثر قوة من سورية، يقع بين إيران، وجنوب شرقي آسيا، وامتداد روسيا شرقاً، وبين الخليج والجزيرة العربية غرباً. وهذا موقع مهم للولايات المتحدة، خصوصاً بعد تصاعد النمو في آسيا الباسيفيكية، لا سيما تنامي قوة الصين في شكل متسارع، إضافة إلى عودة روسيا للمنطقة وطموحات إيران النووية. في المقابل تقع سورية بين إسرائيل وتركيا. وكل منهما قوة عسكرية ضاربة، وحليف لواشنطن، وبالتالي تشكلان معاً حاجز مراقبة دائمة على سورية يخفف من أعباء الدور الأميركي في المنطقة. يضاف إلى ذلك أن سورية يحدها من الشرق العراق، ومن الجنوب الأردن تليه السعودية ومصر، وكلها بلدان صديقة لواشنطن. هذا ما يفسر إلى حد كبير تسليم أميركا الملف السوري لروسيا وانكفائها حتى الآن عن الدخول عسكرياً في شكل كبير في الصراع الدائر هناك. المربك في السياسة الأميركية عدم تبلور موقفها استراتيجياً وبدرجة واضحة من إيران وميليشياتها في سورية والعراق معاً.

تبدو سورية مختلفة بالفعل. لكنه اختلاف النظام بطبيعته العقائدية وتركيبته السياسية التي جعلته في حال صدام دائم مع المجتمع يتدانى أمامه الصدام مع الخارج، خصوصاً إسرائيل. يبدو أن حافظ الأسد كان مدركاً لهذه المفارقة القاتلة. لذلك حاول التخفيف منها بالاحتفاظ بغطاء عربي، إلى جانب التحالف مع إيران. انقلب الموقف مع بشار الذي دفعه التوريث للتضحية بالغطاء العربي لمصلحة التحالف مع إيران. وعندما جاءت الثورة أرغمه هذا التحالف على إعادة سورية إلى ساحة صراع غير مسبوق بين قوى إقليمية ودولية فقد معه سيطرته على القرار. سورية مختلفة، ولذلك تدفع ثمناً قاسياً لنظام مختلف بعقيدته وأهدافه وتحالفاته.

المصدر : جريدة الحياة

arabstoday

GMT 04:32 2018 السبت ,21 تموز / يوليو

لا حرب إيرانية - إسرائيلية

GMT 00:42 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

موقف أحمد ابن حنبل من الدولة

GMT 11:25 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

كذبة الحرب الكبرى

GMT 08:49 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

خيار الحريري و«حزب الله»

GMT 00:39 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

عون ونصرالله واستقالة الحريري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية مختلفة فعلاً سورية مختلفة فعلاً



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية
 العرب اليوم - نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab