من تركيا إلى العراق «عسكر على مين»

من تركيا إلى العراق.. «عسكر على مين»

من تركيا إلى العراق.. «عسكر على مين»

 العرب اليوم -

من تركيا إلى العراق «عسكر على مين»

بقلم : مصطفي فحص

من التداعيات الثقيلة التي ستترك آثاًرا عميقة وطويلة الأمد داخل المؤسسة العسكرية التركية، بعد الانقلاب «الخامس» الفاشل، الذي قادته مجموعة من الجنرالات على سلطة حزب العدالة والتنمية المنتخبة، أنها ستضع الجيش التركي تحت رقابة مؤسسات الدولة الدستورية والتشريعية وأجهزتها التنفيذية، والأحزاب السياسية كافة بمختلف توجهاتها، التي توّحدت منذ اللحظة الأولى في مواجهة الانقلابيين، ليس دفاًعا عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، بل من أجل الحفاظ على المكتسبات الدستورية والحريات السياسية، ومبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع الذي تحقق في العقدين الأخيرين.

فقد نجحت الأحزاب التركية مجتمعة ولأول مرة منذ تأسيس الجمهورية التركية في إدخال الجيش إلى بيت الطاعة السياسية بعد 9 عقود، شكل خلالها حكومة ظل، تحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية التركية، وتعامل مع الدولة والمجتمع كأنه المالك الشرعي والأوحد للجمهورية، فالجيش الذي نأى بنفسه ظاهرًيا عن الصراعات الحزبية، تمكن في الباطن من اختراق أغلب الأحزاب السياسية، وأثر على مواقفها وتوجهاتها، فالجيش التركي الذي اعتقد بأنه محصن من الاختراق، اكتشف صباح 15 يوليو (تموز) أنه ضحية خديعة، أعدت بصبر ونفس طويل، أشبه بـ«تقية عسكرية» مارستها عناصر تسللت إلى داخل هيكلياته، وتدرجت حتى وصلت إلى مناصب رفيعة مكنتها من التحرك بسهولة، وأعطتها القدرة على اتخاذ القرارات، مما جعل الجيش في اليوم الثاني لفشل الانقلاب في موقع المدان لشعبه، الذي لولاه لما فشل الانقلاب، وما خضع الجيش لعملية التطهير التي تتوافق عليها قيادته مع القيادة السياسية لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية، على الرغم من المخاطر البنيوية التي قد تتعرض لها هيكليته، والتي قد تحتاج لسنوات من أجل تعويضها.

في المقابل وقبل 24 ساعة من الانقلاب التركي الفاشل، جرى في العاصمة العراقية بغداد استعراض عسكري في ذكرى ما يسمى ثورة «14 تموز»، وهو فعلًيا تاريخ انقلاب الجيش العراقي بقيادة العسكري عبد الكريم قاسم على السلطة الملكية، حيث شكل هذا الانقلاب في ذاكرة العراق والعرب فاتحة لعهود عسكرية دموية عاشها العراق حتى سقط النظام الانقلابي البعثي سنة 2003 ،ولعل هناك مجموعة اعتبارات داخلية وخارجية فرضت على الحكومة العراقية القيام باستعراض القوة أمام شعبها، فاختارت القوات المسلحة كونها المؤسسة السيادية الأخيرة التي يتمسك بها العراقيون، وهي باتت تمثل لهم ما تبقى من وحدتهم الوطنية بعد انهيار العملية السياسية، وفشل الطبقة السياسية وخصوًصا الشيعية، التي تتحكم في السلطة التنفيذية منذ أكثر من 10 سنوات، من حماية مؤسسات الدولة وخصوًصا العسكرية والأمنية من الفساد والمحاصصة والاستقطابات المذهبية والحزبية، حيث تخضع المؤسسة العسكرية منذ سنة إلى إعادة تشكيل وفًقا لمعاييرتختلف عن بعض المعايير السابقة، خصوًصا تلك التي كانت من أسباب انتكاسة الجيش في الموصل، وعليه كان بإمكان حكومة الدكتور حيدر العبادي أن تختار أي مناسبة وطنية أخرى من أجل القيام بالاستعراض العسكري، إلا أن الاحتفاء بانقلاب «14 تموز»، أشبه برسالة تحذيرية من سلطات بغداد، تشير فيها إلى إمكانية إعادة إنتاج نموذج الأنظمة الاستبدادية السابقة، التي مهما حاول المؤرخون إنصافها أو تبرير قيامها وأفعالها على اعتبار أنها جاءت ردة فعل منطقية على ظلم وتمييز من سبقها في الحكم، فإن ما تلاها قد غفر ذنوب ما سبقها، وجعل أغلبية الشعب العراقي تترحم على المرحلة الملكية، التي وإن تعرضت فيها شريحة كبيرة ربما إلى الإقصاء، فإن التطور الطبيعي للمجتمع كان سيلزم الطبقة الحاكمة بالتنازل وعدم التمسك باحتكار السلطة، وفًقا لشروط عرقية ومذهبية وإلى إعطاء مزيد من الحريات.

فقد مهد انقلاب «14 تموز» إلى مرحلة الاستبداد في الحكم، التي قامت على اختزال الدولة بالجيش، والجيش بالحزب والحزب بالفرد، حيث تبلورت فكرة القائد الفرد الأوحد للدولة والشعب، الذي يختزل بشخصه كل السلطات، فأسس انقلاب تموز وكل الانقلابات التي تلته لمرحلة «دولة العنف المنظم»، التي افتتحت عهدها بإعدام الملك وأسرته، وسحل رموز عهده، ثم تشكيل محكمة المهداوي الصورية، تبعها قصر النهاية والحرس القومي مروًرا بقاعة الخلود وحلبجة والأنفال والمقابر الجماعية، واستمرت حتى في قرار إعدام صدام، وتحويل العقاب إلى انتقام. وهي ليست منفصلة عن زوار الفجر في بعض بلداننا، وشقيقة للإبادة الجماعية في حماة، وتصفية السجناء في تدمر، وصولاً إلى الكيماوي في الغوطة والبراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وهي الأخت الكبرى للسجن الجماعي الليبي وإعدامات القذافي العشوائية، وما يفعله فيها المتطرفون الآن من نهب وسلب، والتآمر على لبنان، واستغلال القضية الفلسطينية، واحتلال الكويت، وآخرها إنتاج التطرف! في القرن الماضي وبعد استيلائها على السلطة، استهدفت أنظمة العسكريتارية العربية، الحيويات الفكرية المدنية والليبرالية داخل مجتمعاتها التي نمت وتطورت في ظل الأنظمة الملكية، بهدف إلغاء تأثيرها، ومنعت التعددية الحزبية وصادرت الحياة السياسية، وعبثت في الثروات الوطنية ودمرت الاقتصاد، حتى وصلت إلى مرحلة أصبح تغييرها مكلًفا وإصلاحها مستحيلاً، من هنا يمكن استيعاب ردة فعل الشعب التركي الذي خرج دفاًعا عن مكتسباته التي عاد العسكر لينتزعها، ولا يمكن التبرير للعراقيين الاحتفال بذكرى اليوم الذي قضى على مدنيتهم، حيث يمكن الاستعانة هنا بالتساؤل الذي طرحته المعارضة السورية عالية منصور في تغريدتها على «تويتر» حيث كتبت: ماذا لو فشل انقلاب حسني الزعيم في سوريا 1949؟

arabstoday

GMT 07:45 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 07:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 07:25 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 07:23 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 07:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 07:18 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 07:16 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 07:13 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من تركيا إلى العراق «عسكر على مين» من تركيا إلى العراق «عسكر على مين»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab