بطرسبرغ اسطنبولحلب طريق الدم والحرير

بطرسبرغ ....اسطنبول.....حلب ...طريق الدم والحرير

بطرسبرغ ....اسطنبول.....حلب ...طريق الدم والحرير

 العرب اليوم -

بطرسبرغ اسطنبولحلب طريق الدم والحرير

بقلم : مصطفى فحص

أثارت رائحة الغاز المنبعثة من حزمة العقود التجارية التي اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان على تفعيلها في قمة «سانت بطرسبورغ» الروسية، شهية رعاة نظام المصالح الدولية والإقليمية، الذينَعّبروا عن ارتياحهم لاستعادة البلدين لغة الأرقام في التخاطب بينهما مكان لغة العقائد.

فلم تشعر الأوليغارشية الروسية بأي حرج وهي تستعين هذه المرة بكلام لخصمها التاريخي الزعيم الشيوعي لينين الذي حملت المدينة اسمه، طيلة سبعة عقود، خلال الحقبة الشيوعية، حيث عرفت بلينينغراد، الذي قال: «السياسة هي التعبير المكثف للاقتصاد»، في تبرير الحضور الاقتصادي، الذي فاق الحضور السياسي في قصر قسطنطين.

في بطرسبرغ واجه الرجلان رواسب التاريخ، هنا استعاد إردوغان هزيمة أجداده في حملة آزوف الثانية 1696، وهي أولى محاولات الروس وضع حّد للزحف العثماني باتجاه حوض الدانوب، وهنا يتذكر فلاديمير بوتين أن مثله الأعلى بطرس الأكبر اضطر إلى إعادة ما سيطر عليه في آزوف بعد توقيعه معاهدة بروت 1711، إثر هزيمته على يد السلطان أحمد الثالث، الذي كاد يقبض على بطرس وحاشيته لولا الرشوة التي أخذها (بلطجي محمد باشا) وسمح للقيصر بالفرار. وفي قصر قسطنطين علقت ذاكرة المكان على جدرانه، التي أعاد فلاديمير بوتين بناءها، بعد أن هدم الطيران النازي القصر في الحرب العالمية الثانية، وهو مشهد لا يختلف عما يفعله الطيران الروسي بالتراث الإنساني في حلب، التي تكبر بطرسبرغ بآلاف السنين، وللتخفيف من آلامهم، يتذكر الحلبيون حصار دول المحور لبطرسبرغ أو لينينغراد الذي استمر 873 يوًما، إلى أن نجح الجيش الأحمر بمساعدة ضخمة من الحلفاء بفتح طريق جليدي أطلق عليه اسم «ممر الحياة»، من أجل مساعدة السكان على الصمود، وهو يشبه ما فعلته المقاومة السورية في شق طريق (الراموسة) من أجل استمرار الحياة في حلب الشرقية.

أغضب ممر الراموسة بوتين والميليشيات؛ المحور الإيراني وتنظيم الأسد. فعاد وزير الدفاع الروسي سيرغي شايغو من جديد إلى التلويح بخيارات القوة، وأعلن عن اقتراب قيام
بلاده بعمل عسكري مشترك مع الولايات المتحدة الأميركية ضد من وصفهم بالإرهابيين في حلب، فعلى ما يبدو فإن عاصمة الثورة السورية مستمرة في عصيان «الإرادة الدولية»، التي تحاول هذه المرة وبمزيد من غِّرد القوة، إلزام المعارضة بالحدود المرسومة لقواعد الاشتباك، أقلها في المائة يوم المتبقية لباراك أوباما بالبيت الأبيض، مما دفع الوزير شايغو إلى الاستنجاد بواشنطن من أجل تأمين غطاء دولي لموسكو في معركتها المفتوحة في حلب، لكي يستعيد نظام الأسد توازنه الميداني، وهو مطلب إشكالي لن تقدر إدارة البيت الأبيض على تلبيته دون النظر إلى عواقبه، فهي من جهة غير معنية بأن تحقق المعارضة انتصاًرا حاسًما على الأرض، قبل إعادة فرز مكوناتها، ومن جهة أخرى تتجنب ارتكاب الخطأ ذاته، الذي ارتكبته موسكو بتحولها إلى غطاء جوي لميليشيات طائفية فشلت في احتلال المدينة.

سيل من الأحداث المتسارعة في المنطقة يسبق تدفق الغاز في السيل التركي، فحلب التي كانت آخر محطات طريق الحرير القديم على أبوابها الآنُترسم بالدم معالم الطريق الجديد وتشعباته، فقد انتزع الأتراك الاعتراف بسلطانهم على الجغرافيا، فاقتنعت موسكو بأنه لا حل في سوريا دون أنقرة، وأن أهمية الدول التي تعبر من خلالها الطاقة إلى الأسواق العالمية هي بأهمية دول الإنتاج، مما يفرض على الطرفين الحد من القضايا الخلافية بينهما حتى لو كانت بمستوى مصير الأسد، وهذا ما جعل رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم متفائلاً كثيًرا بإمكانية الحل القريب للازمة السورية، مما أثار حفيظة حالم إقليمي آخر، فقفز وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى أنقرة، محاولاً استطلاع ما جرى في الطريق من إسطنبول إلى بطرسبرغ، مذكًرا الطرفين بحصة بلاده التاريخية من عائدات طريق الحرير، محاولاً التعويض بالدبلوماسية عما فشل الجنرال سليماني في تحقيقه ميدانًيا.

سارعت طهران إلى انتهاز الفرصة، ورّوجت لحل روسي ­ تركي ­ إيراني في سوريا، مناورة تغطي من خلالها قلقها من حجم ما وصلت إليه التفاهمات التركية الروسية، على حساب مصالحها..

في مثلث التناقضات القاتلة تتقاطع المصالح وتختلف الرغبات، وإصرار كل طرف على فرض رؤيته، يعكس صعوبة توصلهم إلى اتفاق مشترك للحل، وهو فشل يجعل واشنطن أكثر اطمئناًنا على موقعها ودورها وأكثر حرًصا على أن تأخذ الأمور مداها فتنجر موسكو إلى مزيد من الانغماس، والوقت كفيل باستنزاف طهران، والغموض يزيد من حيرة الأتراك فتضيق عليهم الخيارات.

في قصيدته مديح الظل العالي، يقول الراحل الكبير محمود درويش في وصفه لحصار بيروت: «عرب أطاعوا رومهم»، أما بعض الطامعين الإقليميين فقد فاتهم أن في الطريق إلى فك الحصار عن صنعاء وحلب عرًبا استعادوا حزمهم.

arabstoday

GMT 00:19 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

جليلي وقاليباف وبينهما بزشكيان

GMT 23:39 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

مسيّرة «الهدهد» وهوكستين

GMT 00:12 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

جنوب لبنان والاحتمالات الصعبة

GMT 00:15 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

غزة... وثنائية المحرقة والنكبة

GMT 00:08 2024 الجمعة ,24 أيار / مايو

إيران... قَدَر رئيسي وقَدَر النظام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بطرسبرغ اسطنبولحلب طريق الدم والحرير بطرسبرغ اسطنبولحلب طريق الدم والحرير



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab