مسيحيو لبنان بين قصرين

مسيحيو لبنان... بين قصرين

مسيحيو لبنان... بين قصرين

 العرب اليوم -

مسيحيو لبنان بين قصرين

بقلم - مصطفى فحص

بين الصَّرح البطريركي والقصر الجمهوري يستعيد مسيحيو لبنان مساحة حضورهم، وبين قصرين يعاودون قراءة ماضيهم وحاضرهم، ومستقبلهم المهدد بتداعيات انفجار شبه نووي، حطم جزءاً أساسياً من ذاكرتهم الثقافية الاجتماعية والسياسية، وهدَّمت شظاياه بيوتاً وأحياء شكلت جزءاً من ذاكرتهم الجماعية والوطنية. فلا يمكن الفصل بين أحياء الأشرفية ومارمخايل والجميزة والصيفي وساحة البرج، وتحول بيروت إلى مدينة حديثة في بداية القرن التاسع عشر على يد الجيش المصري، وجعل مرفئها أحد أشهر الموانئ على البحر المتوسط، وتأثيرهم في قرار المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو، باختيارها عاصمة لكيان بات مهدداً بالانقراض بعد مائة سنة على تشكله.
بين قصرين؛ واحد مدمّر يتحسر اللبنانيون عليه وعلى من قطنوه، وآخر هجروه بعد حسرتهم على بلد أضاعه قاطنوه، بين قصر سرسق الذي أوصى مالكه، وهو من أشهر العائلات الأرستقراطية المسيحية اللبنانية البيروتية، بتحويله إلى متحف، وقصر بعبدا حيث يقيم رئيس الجمهورية اللبنانية، ينحاز الوجدان المسيحي إلى الأول، ويرى في دماره انكساراً لصورة رُسمت عن وطن، ومدينة شاركوا في بناء هويتها المتعددة، وآخر يتهمونه بتزويرها.
بعد «فاجعة الرابع من أغسطس (آب)»، أعاد مسيحيو لبنان تذكير الجميع بالشروط التي حققت شكل الكيان اللبناني، لم يتردد رأس الكنيسة المارونية في تذكير بعض اللبنانيين الطامحين والطامعين في ملء فراغ ديموغرافي بأن دور الجماعات لا يرتبط بالعدد، وبأن القوة مهما تضخمت فلا يمكنها أن تتحكم في موقع لبنان وجغرافيته المعقدة، وبأن أي مغامرة جديدة تستند إلى حسابات الديموغرافيا والجغرافيا، لن تكون نتائجها أقل قسوة من التي أصابت من اعتقد سابقاً أنه يمتلك الوسائل لفرض خياراته عبر استدعاء الخارج. وفي هذا الصدد؛ يقول المؤرخ البريطاني المعاصر فيليب مانسيل في كتابه «ثلاث مدن مشرقية»: «باستخدام لغة عاطفية تخفي المصلحة الشخصية، حاولت كل طائفة دينية أن تغوي قوة أجنبية، وبحثت كل قوة أجنبية عن طلاب حماية محليين مناسبين، وقابلت التدخل الخارجي رغبة داخلية في مزيد من التدخل».
يُصرّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على دعوته إلى «حياد لبنان»، وقد أطلق الاثنين الماضي ما سماها «مذكرة الحياد الناشط» التي رفعها إلى الأمم المتحدة، وهي تطالب بتجنيب لبنان ويلات سياسة المحاور، ونزع سلاح جميع الميليشيات وفقاً لما جاء في «اتفاق الطائف»، وهو موقف سيُلقي بثقله على الغطاء المسيحي لسلاح «حزب الله» الذي أمّنه القاطن في قصر بعبدا.
لم يتردد الكاردينال الراعي في عظة يوم الأحد الماضي في وضع النقاط على الحروف، ووضع حد لكل المشاريع المشبوهة التي تُروج لـ«مُثالَثة» على حساب «المناصفة»، لما فيها من جور على جماعة وطنية مؤسسة، تعاني من هجرة جماعية لأبنائها وتتفاقم معاناتها من هول كارثة فرضت عليها أسئلة وجودية، فقد أبدت «بكركي» استياءها من محاولة باريس تمرير تسوية إقليمية مع طهران، تؤدي نتائجها إلى فرض ميثاق وطني جديد، أو مؤتمر تأسيسي على حساب المسيحيين.
فبين زائر غير موثوق وزائر حاول تسويق ما لا يمكن تقبله مسيحياً، خصوصاً أنه على حساب موقعهم، وزائر آخر تكلم بلغة الوصاية على الدولة، لكنه حصر حدود نفوذه بأركان السلطة، ولم يتجرأ على زيارة الأماكن المنكوبة تجنباً لإحراج قد يسببه رد فعل أهالي الضحايا والمتضررين، وفي غمرة التدخلات الخارجية المُسرّعة والمُتسرعة، أثارت دعوة أحد أركان السلطة رئيس حركة «أمل» والمجلس النيابي نبيه بري إلى إقامة الدولة المدنية، حفيظة اللبنانيين، فبالنسبة للكنيسة وانتفاضة «17 تشرين»، فإن مشروع بري في الدعوة إلى انتخابات نيابية في هذه المرحلة خارج القيد الطائفي، محاولة جديدة لفرض «المُثالَثة»، من خلال الأطر الدستورية في حال عجز فائض القوة عن فرضها، وهو التفاف على مطالب الانتفاضة وإعادة إنتاج الطبقة السياسية وفقاً لشروط «الثنائية» تحت ذريعة دولة مدنية متوهمة تتحكم فيها أحزاب طائفية.
منذ مائة عام ارتبطت فكرة لبنان بالوجود المسيحي ودورهم؛ الأمر الذي يضاعف مسؤوليتهم في حماية هذه الفكرة التي تترنح تحت ضغوط الداخل ومشاريع الخارج، فلبنان الكبير الذي قام على الموروث العثماني لا يمكن أن يستمر أو يحافظ على كيانه متماسكاً من دون موروثه المسيحي.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسيحيو لبنان بين قصرين مسيحيو لبنان بين قصرين



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab