بقلم- مصطفى فحص
انتهت الجولة الأولى من جولة المفاوضات النووية الثامنة في فيينا بتفاؤل حذر غربياً ومقتضب إيرانياً، الاقتضاب الإيراني قوبل بتشكيك أميركي يعمل على انتزاع مزيد من التنازلات الإيرانية التي قد تشكل أرضية لوضع نقاط رئيسية للحل، إذا تمكن الجانبان الإيراني والأميركي من تقديم تنازلات شجاعة.
قبل بداية موسم الأعياد والعطل، قدم وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان هدية تفاؤل لأعضاء الوفود المفاوضة، تدفعهم إلى الرهان على أن الجولات المقبلة في المرحلة الثامنة والأخيرة تتوفر فيها إمكانية التوصل إلى اتفاق، فقد أكد عبداللهيان «إن مفاوضات فيينا تمضي في مسار جيد»، مضيفاً «إذا واصلت الأطراف الأخرى في فيينا المفاوضات بحسن نية فيمكن التوصل إلى الاتفاق في المستقبل القريب».
تصريحات المسؤولين الإيرانيين المرنة هذه المرة من عبداللهيان إلى كبير مفاوضيه علي باقري كني، تعطي إشارات واضحة وصريحة عن استعدادات إيرانية لتقديم تنازلات مشروطة تساعد على إنجاح المفاوضات، لكنهما حاولا رمي الكرة في الملعب الأميركي الذي أعادها مجدداً إلى الجانب الإيراني، عندما تعامل المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس بحذر مع التصريحات الإيرانية المتفائلة، واعتبر أنه من المبكر تقييم أي تقدم في مفاوضات فيينا.
لكن برايس ربط بين التفاؤل الإيراني وما توصل له المفاوضون في نهاية الجولة السابعة، وأضاف «نحن الآن بصدد تقييم خلال هذه الجولة من المحادثات، ما إذا كان المشاركون قد عادوا بأجندة من القضايا الجديدة أو الحلول الأولية لتلك التي تم عرضها بالفعل». وهذا ما يمكن اعتباره نقطة تحول جدية في الموقف الأميركي الذي يبحث أيضاً عن مخرج تفاوضي، يمنحه مزيداً من الوقت حتى يتجنب الإعلان عن فشل المفاوضات.
على الأرجح أن الأطراف الدولية كافة المشاركة في مفاوضات فيينا تضغط من أجل التوصل إلى اتفاق ولو مبدئي، في الأسابيع الأربعة الأولى من السنة الجديدة، وهي أعطت طهران مهلة شهر واحد، وتصر أنها غير قابلة للتجديد، لكنها تتعامل مع المرونة الإيرانية بريبة بسبب ما قد تطمح إيران للحصول عليه سريعاً من أجل تخفيف الأعباء الاقتصادية، لكنها مشروطة بورقة الضمانات التي لا يملك أي طرف إجابة واضحة عليها حتى الفريق الأميركي المعني بها مباشرة؛ نظراً للمعارضة الأميركية لأي تنازل تقدمه هذه الإدارة، وقلق طهران من انسحاب أي إدارة جديدة من الاتفاق مجدداً.
عملياً، يمكن وصف التفاؤل الإيراني بالمقتضب، لكنه جاء في لحظة تحتاج إليها إيران في الداخل من أجل احتواء الشارع المتذمر من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وفي الخارج بهدف الحفاظ على ما تبقى من استقرار في مناطق نفوذها المتوترة، كما أن هذا التفاؤل شبه المرتجل من الفريق الإيراني قد يحتاج إليه الطرف الأميركي المنقسم على نفسه في كيفية التعاطي مع إيران، والذي يذهب بعضه إلى عدم وضع سقوف زمنية للمفاوضات.
منذ انطلاق الجولة الثامنة من المفاوضات النووية يوم الاثنين الفائت، رفضت طهران تحديد سقف زمني للمفاوضات واعتبرتها أنها تسير بمنهج علمي، ولن ترضخ لما وصفته بفبركة الوقت، وهذا ما يضرب مصداقية التصريحات الغربية المصرة على القول بأن الوقت قد ينفذ، ولم يبق أمام طهران إلا شهر، فيما الأخيرة قد تكون قد نجحت في رمي تفاؤلها المقتضب في ملعب الأميركيين، الذين قد يحتاج طرف منهم إلى البناء على الارتجال الإيراني، من أجل أن يبرر تنازلات مقبلة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في الشهر المقبل، هل يمكن لواشنطن أن ترد إيجاباً على التفاؤل الإيراني! بالنسبة لطهران السِّر يمكن بمدى قدرة هذه الإدارة على إحياء ما يمكن من الاتفاق السابق الذي يصعب على واشنطن إعادة تعويمه، ويستحيل على المنطقة تقبله، لكن إيران الطامحة إلى اتفاق يرفع عنها العقوبات لا يمكن أن تعود من فيينا باتفاق تقني يخلو من مضمون سياسي، وهذا شبه مستحيل قد يمدد المفاوضات حتى لا يعلن فشلها.