النخب اللبنانية و«اللوياجيرغا»

النخب اللبنانية و«اللوياجيرغا»

النخب اللبنانية و«اللوياجيرغا»

 العرب اليوم -

النخب اللبنانية و«اللوياجيرغا»

بقلم : مصطفى فحص

كعادته يفتح المفكر التنويري الدكتور رضوان السيد الجدل واسعاً عندما يتناول قضية ما، فكرية كانت أم سياسية، ويتعامل معها من موقع المفكر المطلّ على السياسة، أو السياسي المقيد بطبائع فكرية تفرض عليه الالتزام بثوابت لا يلتزم بها أهل السياسة؛ ما يضعه ربما في موقع المتهم بالانحياز، أو اعتباره غير قادر على تقبل التسويات. وفي نظام التسويات يدرك رضوان السيد ومن يقف في صفه من اللبنانيين، وهم نخب سياسية ومدنية مؤثرة، رغم قلتهم، بأن التسوية رغم إشكالياتها بوصفها اتفاقاً غير عادل بين أطراف متنازعة، لكنها فرض واجب في الحياة والاجتماع والسياسة، شريطة ألا تتعدى الثوابت. والثوابت بالنسبة لهذه النخب هي دولة المؤسسات التي لا يجوز لأي طرف أن يضع شروطه عليها أو يستقوي عليها مهما بلغ حجمه وفاضت قوته؛ وهو ما دفع الدكتور السيد بأن يخرج عن صمته في مقاله ما قبل الأخير في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان (وقائع الاندراج اللبناني في محور الممانعة) والذي وجّه فيه نقداً مدروساً للاجتماع الذي سمي بالتشاوري وعقد في قصر بعبدا - مقر الرئاسة اللبنانية - في 22 يونيو (حزيران) الفائت برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، وحضور رئيس مجلس النواب اللبناني زعيم حركة أمل نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، إضافة إلى قادة الأحزاب اللبنانية الكبرى الممثلة في الحكومة أم من ينوب عنهم.

لخص الدكتور رضوان السيد في مقاله المنشور في 30 يونيو نتائج اجتماع بعبدا التشاوري بأنها بمثابة تكريس لوقائع سياسية عسكرية وأمنية فرض على اللبنانيين منذ سنوات عدة، وأفضت إلى انتخاب حليف الحزب العلني ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة يسيطر «حزب الله» على ثلثي أعضائها، واعتماد قانون جديد للانتخابات النيابية يعطي الحزب وحلفاءه ما لا يقل عن 60 في المائة من مقاعد البرلمان اللبناني، معتبراً أن «الذي حصل ويحصل منذ أكثر من ثلاثة أعوام أن كل جهات الصمود الوطنية أمام سيطرة الحزب بالداخل اللبناني قد انهارت».

لعل رضوان السيد أراد بمقاله إطلاق صافرة التحذير الأخيرة، ليس فقط للبنانيين المؤمنين بجمهوريتهم لكنهم محبطون جراء خيبات الأمل والتنازلات غير المبررة وفقدان المرجعية وغياب أدوات المواجهة بعد تلاشي حركة 14 آذار، بل للعرب المعنيين بموقع لبنان وانتمائه العربي والإسلامي قبل أن يتم حذفه من خريطة تأثيرهم وإلحاقه بمشروع الهيمنة الإيراني الذي يحاول إعلان انتصاره على الشعب السوري، وهو مشروع في جوهره قائم على إلغاء السيادة الوطنية للدول التي يسيطر عليها وإخضاع مؤسساتها وتخيير شعوبها بين الخضوع أو التهجير، في إطار خطة ممنهجة تفضي إلى إفراغ الحواضر العربية المشرقية التاريخية في سوريا والعراق من سكانها الأصليين بعد تدميرها؛ وذلك بهدف إلغاء أي إمكانية مستقبلية لهذه الشعوب بالتغيير، وإن نجا لبنان من الحريق السوري إلا أن حواضره التاريخية من طرابلس إلى جبيل وبيروت وصيدا وصور، صعوداً إلى الشوف حتى بعلبك، تحولت إلى مدن محاصرة سياسياً تقاوم للحفاظ على هويتها، تتعامل بواقعية مع مشيئة المنتصر وهيمنته، الذي تمكن حالياً من فرض شروطه على كافة الأطراف والمكونات الحزبية والطائفية، وهذا ما كان واضحاً جداً في خطاب أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله بعد 24 ساعة من انعقاد الاجتماع التشاوري والذي أعلن فيه عن موقع لبنان الجديد في الخريطة السياسية للمنطقة وصراعاتها.

من الممكن تشبيه الاجتماع التشاوري اللبناني الذي عقد في قصر بعبدا وحضره زعماء الأحزاب اللبنانية فقط بالاجتماعات التي كانت تعقدها القبائل الأفغانية فيما يعرف بمجلس «اللوياجيرغا» ومعناها في اللغة البشتونية الفارسية «مجلس المصالحة الموسع» وهو تقليد أفغاني قبلي قديم يجتمع فيه زعماء القبائل والشخصيات السياسية والدينية للتشاور من أجل حل مشاكلهم المتعلقة بشؤون الدولة العامة، حيث كانت شروطه تفرض استمرارية الانعقاد حتى يتوصل أعضاؤه إلى اتخاذ القرارات بالتفاهم فيما بينهم من دون ضرورة العودة إلى التصويت الرسمي، أي دون العودة إلى مؤسسات الدولة. وفي التاريخ الأفغاني، أنه عقد في سنة 1747 واحد من أهم اجتماعات «اللوياجيرغا» عندما اتخذ البشتون قراراً بتعين أحمد شاه دوراني - مؤسس الدولة الأفغانية - قائداً لهم، ومن هنا يمكن اعتبار الاجتماع الأول «للوياجيرغا» اللبناني سنة 2017 هو محاولة لفرض إعلان انتماء لبنان رسمياً للمحور الإيراني.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

arabstoday

GMT 00:19 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

جليلي وقاليباف وبينهما بزشكيان

GMT 23:39 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

مسيّرة «الهدهد» وهوكستين

GMT 00:12 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

جنوب لبنان والاحتمالات الصعبة

GMT 00:15 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

غزة... وثنائية المحرقة والنكبة

GMT 00:08 2024 الجمعة ,24 أيار / مايو

إيران... قَدَر رئيسي وقَدَر النظام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النخب اللبنانية و«اللوياجيرغا» النخب اللبنانية و«اللوياجيرغا»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab