أفغنة سوريا هل تلدغ موسكو من الجحر مرتين

أفغنة سوريا.. هل تلدغ موسكو من الجحر مرتين؟

أفغنة سوريا.. هل تلدغ موسكو من الجحر مرتين؟

 العرب اليوم -

أفغنة سوريا هل تلدغ موسكو من الجحر مرتين

مصطفى فحص

عندما قررت موسكو السوفياتية التدخل في أفغانستان عام 1979، كانت حكومة الرئيس حفظ الله أمين تسيطر على أكثر من ثلثي مساحة أفغانستان، وكان «المجاهدون» المتوارون في المناطق النائية والجبلية عبارة عن مجموعات صغيرة غير مدرّبة تمتلك عتادًا بسيطًا. ولكن بعد التدخل الروسي في أفغانستان، حصلت هذه المجموعات على دعم عسكري من جهات دولية مختلفة وقفت بوجه هذا الغزو، الأمر الذي ساعد على خوض حرب عصابات استنزفت أضخم قوة عسكرية برية في حقبة الحرب الباردة. فانتقل «المجاهدون» من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، حيث تم فرض واقع ميداني لصالحهم. وفي بداية النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي تمكنوا من تقليص السيطرة السوفياتية إلى 20٪ فقط من الأراضي الأفغانية. واليوم في الوقت الذي بدأت تصل فيه طلائع مشاة البحرية الروسية وخبراء الدفاع الجوي الروسي إلى مناطق الساحل السوري، تنفيذًا لقرار استراتيجي اتخذه الكرملين بالتدخل الميداني المباشر في الحرب السورية، وصل حجم المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى ما دون 20٪. كما بات بعد أربع سنوات على الحرب محاصرا في دمشق، قواته منهكة تدافع عن عقر داره في المناطق الموالية له، بعد أن وصل الثوار إلى تخومها من عدة جهات. وأصبح الأسد ونظامه يعتمدان كليًا على ميليشيات أجنبية تحميه من السقوط. أما فصائل المعارضة فأضحت، رغم شح المساعدات وكثرة التدخلات الخارجية، أكثر خبرة وأفضل تنظيمًا.
التراجع الميداني لقوات الأسد، والتخوف من سقوط مفاجئ أو انتكاسة عسكرية، سيناريوهات تزيد وضعه تعقيدًا، وهي عوامل فرضت على القيادة الروسية التدخل السريع من أجل إعادة التوازن لقواته. فلم يعد مستبعدًا مشاركة طيارين روس محترفين في القتال الجوي، واستخدام طائراتهم الحديثة ذات القدرات التدميرية العالية ليس من أجل محاربة «داعش» كما تدعي الخارجية الروسية، بل لمنع تقدم المعارضة. ومن شأن تدخل مماثل أن يتسبب بترجيح كفة الأسد على الأرض، وقد تستغل موسكو الفرصة بحجة المساعدة في الحرب على الإرهاب لتقوم بضرب كافة فصائل المعارضة السورية. إلا أنّ الدول الداعمة للمعارضة لن تسمح بأمر مماثل، ما قد يدفعهم إلى زيادة الضغط على واشنطن للسماح بتزويد المعارضة بصواريخ أرض - جو أو مضادات أرضية، بالإضافة إلى زيادة الدعم النوعي لوقف الإخلال بالموازين بين المعارضة والنظام. فخطوات الكرملين التصعيدية في سوريا، بهذا الشكل والحجم، هي خروج عن تعهدات ضمنية بين أطراف النزاع الدولي على سوريا؛ إذ سبق أن اتفقت هذه الأطراف على الالتزام بمستوى الدعم العسكري للقوى المتصارعة على الأرض السورية: في مقابل عدم تزويد الغرب المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات، كان على موسكو الالتزام بعدم حصول الأسد على أسلحة أكثر فتكًا وذات قدرة أكبر على التدمير تساعد على حسم الصراع عسكريًا. كما أنّ اتفاقًا ضمنيًا رسم حدود التدخل الخارجي على مستوى الخبراء والتدريب، ومنع إرسال وحدات قتالية رسمية للمشاركة في القتال.
لقد تحولت أفغانستان في منتصف ثمانينات القرن الماضي مكانًا لتصفية حسابات الحرب الباردة، بعد أن تبنت دول غربية وإقليمية وعربية مساعدة الثوار الأفغان، من أجل دحر الاحتلال السوفياتي. وكان هذا الاحتلال في أفغانستان من عوامل تفكك الاتحاد السوفياتي خصوصًا بعد قرار الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، عام 1986 تزويد «المجاهدين الأفغان» بصواريخ «ستينغر» التي قلبت موازين القتال. ولم يعد مستبعدًا أن يلجأ الغرب إلى إدارة الأزمة في سوريا بدلاً من حسمها، ما قد يستدرج موسكو إلى المستنقع السوري من أجل استنزافها اقتصاديا وزيادة الأعباء على خزينتها المنهكة أصلاً. وفي حال دخلت موسكو هذا المستنقع فمن شأن هذا الأمر تكبيدها هزيمة عسكرية على الأرض والقضاء على آخر موطئ قدم لها في شرق المتوسط. والأهم أنّ خطوة مماثلة ستدخل موسكو في مواجهة مفتوحة مع الغالبية الإسلامية في العالم التي باتت تحمّلها مسؤولية النكبة السورية، ما قد يجعل روسيا عرضة لردود فعل انتقامية من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة.
على ما يبدو أنّ سيد الكرملين يصرّ في سوريا على ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبه أسلافه السوفيات في أفغانستان، فيدفعه غرور القوة إلى عدم الاكتراث بالوقائع التاريخية، فيمعن في تحديه إلى وضع يده من جديد في نفس الجحر الذي لدغ السوفيات قبل عقود.

arabstoday

GMT 19:28 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

الفائزون فى 3 مباريات

GMT 10:57 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مفكرة القرية: الإلمام والاختصاص

GMT 10:55 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيديوهات غبية في هواتفنا الذكية!

GMT 10:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

«الداخلية» توضح دورها على طريق ديروط - أسيوط

GMT 10:50 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عراب كامب ديفيد.. الانقلاب على الإرث المر!

GMT 10:48 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محاكمة الساحرات

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفغنة سوريا هل تلدغ موسكو من الجحر مرتين أفغنة سوريا هل تلدغ موسكو من الجحر مرتين



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab