د. وحيد عبدالمجيد
قرأتُ قبل أيام، خلال متابعتى ما بثته مواقع صحفية الكترونية مختلفة، احتفاء بعضها «وصلة ردح» تتضمن بذاءات فى حق ثورة 25 يناير، على النحو الذى تعودنا عليه فى الفترة الأخيرة. وتصادف أننى قرأتُ هذا الكلام بعد مطالعتى بعض آخر ما أبدعه الراحل العظيم نجيب محفوظ «أحلام فترة النقاهة».
وكنتُ قد وقفتُ ملياً أتأمل أحد هذه الأحلام حيث روى (رأيتُنى أسير فى مظاهرة ملأت الشوارع والميادين، وفى مقدمتها صور مكبرة لأحمد عرابى وسعد زغلول ومصطفى النحاس، وتعالت الهتافات تنادى بدستور جديد يناسب العصر ..).
ولأن معرفة رائد الرواية العربية الحديثة بالتاريخ وفلسفته كانت شديدة العمق، فقد عبر فى هذا «الحلم» عن معنى بالغ الأهمية ينبغى أن ننتبه إليه. فقد رفع التاريخ إلى ذروة المجد كلاً من الثورة العرابية وثورة 1919 اللتين روى صاحب «نوبل» كيف رأى الناس يرفعون صور زعمائهما، رغم أن كلاً منهما تعرضت فى حينها وبُعيدها لحملات تشويه أكثر ضراوة مما يحدث الآن لثورة 2011.
فقد اتُهم زعيم ثورة 1881-1882 الضابط الوطنى العظيم أحمد عرابى وزملاؤه المناضلون من أجل تحرير مصر الوطن والمواطن بالخيانة. وسمع بعضهم، وبينهم عرابى شخصياً، بأذنيه بعض هذه الاتهامات، حين عاد من منفاه الذى نُفى إليه بعد أن تكالبت القوى المضادة للثورة الداخلية منها والدولية ضده.
ومع ذلك فقد وضع التاريخ كل ما تعرضت له الثورة العرابية فى «مزبلة» تحفل بالكثير مما يهدف إلى تزييف وعى الناس، فيما رفع عرابى ورفاقه إلى أعلى درجات المجد.
وقل مثل هذا عن ثورة 1919 التى كانت أفضل حظاً من سابقتها، لأن المنصفين كانوا قادرين على الدفاع عنها فى الفترة التالية لها مثلما يفعل أنصار ثورة 2011 الآن، بخلاف الثورة العرابية لأن السلطة التى تعاونت مع الاحتلال ضدها منعت أى كلمة حق وقتها. ورغم أن محاولات تشويه ثورة 1919 امتدت حتى الستينيات، فقد ذهبت كلها فى المكان الذى وضع التاريخ فيه قاذورات لا حصر لها أُلقيت على الثورة العرابية وقائدها.
وحدث مثل ذلك مع ثورة 1952 التى بدأت حملات التشويه ضدها فور رحيل عبد الناصر. ولكن التاريخ قال كلمته المنصفة أيضاً بشأنها.
وهذا بعض ما ينبغى أن يدركه من يحزنهم التشويه الذى تتعرض له ثورة 25 يناير الآن.