بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يمكن أن تكون الهيئة الوطنية للانتخابات، التى أعد مجلس الوزراء مشروع قانونها تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب، بداية جديدة فى تاريخ الانتخابات الطويل والفقير فى مصر. تاريخنا فى الانتخابات طويل لأن عمره يبلغ قرناً ونصف القرن فى العام الحالى. ويعنى ذك أننا من أقدم الشعوب التى عرفت الانتخابات فى العالم. لكن هذا التاريخ الطويل فقير نتيجة عدم تحقيق تراكم مستمر نحو انتخابات تعبر عن الإرادة الشعبية، وتتوافر فيها مقومات الحرية والنزاهة وتكافؤ الفرص. فقد تفوقت علينا فى هذا المجال بلاد عرفت الانتخابات بعدنا، ولكنها حققت فى وقت قصير ما لم ننجزه نحن عبر تاريخ طويل. فالعبرة ليست بطول الفترة الزمنية أو قصرها، بل بما يتحقق خلالها من تطور. وكلما كان هذا التطور تراكمياً فى اتجاه واحد إلى الأمام، أمكن تحقيق ما لا يتيسر فى وقت أطول إذا كان التطور دائرياً أو متعرجاً يشهد خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء. ولا يكفى تأسيس هيئة وطنية مستقلة للانتخابات، وفق المواد 208 و209 و210 فى الدستور، لضمان بداية جديدة للعملية الانتخابية تتيح وصولها إلى ما كان مفترضاً أن تبلغه لو أن تطورها مضى فى الاتجاه الصحيح منذ بدايتها فى صورتها الأولية عام 1866.
ولكن وجود هذه الهيئة يمكن أن يساعد كثيراً فى ذلك إذا توافرت الإرادة السياسية اللازمة لإجراء انتخابات حديثة بعيدة عن المؤثرات التقليدية المحلية والقروية والعائلية والعشائرية، وعن سطوة الأموال حين تُستخدم فى شراء أصوات ناخبين فقراء بسطاء لا حول لهم ولا وعى. ولا سبيل للانتقال إلى انتخابات حديثة حقاً بدون نظام انتخاب يقوم على التمثيل النسبى، بدءاً من الانتخابات المحلية التى تقول الحكومة أنها ستُجرى قبل نهاية العام الحالى. فإذا أخذنا بهذا النظام وفق صيغة تلائم ظروف الانتقال من التقليدية إلى الحداثة، ووضعنا نظاماً حديثاً أيضاً للجهاز التنفيذى للهيئة الوطنية للانتخابات وهيكلها التنظيمى، ستكون هذه بداية جديدة للعملية الانتخابية فى مصر. فالنظام الانتخابى هو المحُدَّد الأول لإمكانات هذه البداية الجديدة. وهيكلية الهيئة الوطنية للانتخابات هى المُحدَّد الثانى الذى تتوقف فاعليته على وجود جهاز قادر على ضمان سلامة إجراءات الانتخابات وإنهاء المخالفات التى تسودها، والتطبيق الحاد لأحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية التى كانت انتُهكت جهاراً نهاراً فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.