بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
أعادنى نبأ هدم فندق ومبنى الكونتننتال فى شارع فؤاد “62 يوليو” إلى زمن القاهرة الخديوية الجميلة التى لم يبق منها إلا ذكريات، وبقايا طراز معمارى جميل هُزم فى معركة غير متكافئة مع تحالف الإهمال والفساد والقبح والعشوائية.
مضى زمن كان ذلك المبنى، الذى احتضن لقاءات صارت من أهم أحد تاريخنا الحديث، جزءاً من إحدى أجمل مناطق المدن الحديثة فى العالم. على بُعد أمتار من هذا المبنى، يوجد ميدان لم يعد له من اسمه نصيب (ميدان الأوبرا)، وحلت مبان قبيحة مكان معالمه الأساسية التى عبرت فى حينها عن مرحلة خطت فيها مصر خطوات إلى الأمام، قبل أن ترتد على أعقابها فى العقود الأخيرة.
وجاء زمن صار البكاء على معالم تلك المنطقة فرض عين على كل من يدرك دلالة التدهور الرهيب الذى حل بها فى علاقته مع ارتدادنا المريع إلى ما قبل العصر الحديث. وقد تراكمت عوامل هذا الارتداد على مدى عقود فى نظامنا السياسى والاجتماعى، وثقافتنا السائدة، وأنماط حياتنا، وطرق تفكيرنا. وصارت البدائية عنواناً لهذا كله.
وفقدت شوارع وسط القاهرة ومبانيها فى هذا السياق طابعها المميز المعمارى والجمالى والحضارى، بينما يفتقر من يكلفون بترميم بعض مبانيها وتجميل بعض آخر منها إلى معرفة تاريخها، ويفتقدون بالتالى الحس الجمالى الملائم لها.
والمحزن أن الكثير من المصريين الذين يعيشون الآن لا يعرفون كيف كانت القاهرة الخديوية، رغم وجود عدة كتب مهمة منها كتاب استعرته من مكتبة أحد الأصدقاء قبل عدة أشهر عنوانه “التطور العمرانى لشوارع مدينة القاهرة من البدايات حتى القرن الحادى والعشرين، للاستاذ فتحى حافظ الحديدى الذى تخصص فى توثيق تاريخنا العمرانى والحضارى.
وهذا الكتاب مرجع مهم فى تاريخ شوارع القاهرة التى حدث فيها تغيير مستمر توسيعاً وتعميراً، ثم تشويهاً فى العقود الأخيرة. ويسهل استنتاج مدى هول هذا التشوه من مطالعة كيف كانت شوارع وسط القاهرة, وما أصبحت عليه الآن. ولذلك يتحسر من يطالعه بسبب هول التغيير الذى حدث فى منطقة وسط القاهرة وشمل الكثير من مبانيها وطمس غير قليل من معالمها التاريخية والحضارية، فضلاً عن المظاهر الجمالية التى سحقها القبح بلا هوادة.
المصدر : صحيفة الأهرام اليومي