بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تتقدم الدول باحترام دساتيرها، وليس بمخالفتها، وخاصة حين يكون فى هذا البلد أو ذاك دستور حديث تزيد إيجابياته على سلبياته. وكان من يعرفون ذلك ينتظرون حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى ببطلان دستورية بعض مواد قانون تنظيم الحق فى التظاهر، وخاصة المادة 10 التى تعطى وزارة الداخلية سلطة منح تصريح لأية تظاهرة سلمية أو رفض السماح بها.
ولذلك فعندما وضعت هيئة مفوضى المحكمة مذكرتها التى أوصت فيها بعدم قبول الطعن بعدم دستورية هذه المادة، كتبتُ فى اجتهادات 28 سبتمبر الماضى تحت عنوان «رسالة للمحكمة الدستورية» مناشداً هيئة المحكمة أن تعود إلى أى تفسير تراه لنص المادة 73 من الدستور، وأن تراجع معنى كلمة «إخطار» فى أى معجم من معاجم اللغة تختاره.
وتوقعتُ أن تقضى المحكمة بعدم دستورية المادة 10 لأنها تُحوَّل الإخطار الذى نص عليه الدستور إلى تصريح مسبق. وهذا هو جوهر حكمها الصادر السبت الماضى, والذى شرحت فيه كيف يصون الدستور حق الاجتماع السلمى وما يتفرع عنه من حقوق ومنها التظاهر، ويوجب ممارستها بالإخطار دون غيره من الوسائل الأخرى كالإذن والترخيص.
وعرَّفت الإخطار بأنه (إنباء أو إعلام جهة الإدارة بعزم المُخطِر «بكسر الطاء» ممارسة الحق المُخطَر «بفتح الطاء» به، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة). وأوضحت أنه (إذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانوناً، نشأ للمُخطِر الحق فى ممارسة حقه على النحو الوارد فى الإخطار، ولا يسوغ من بعد لجهة الإدارة إعاقة انسياب آثار الإخطار بمنعها المُخطِر من ممارسة حقه أو تضييق نطاقه-- فإن هى فعلت ومنعت التظاهرة أو ضيقت من نطاقها، تكون قد أهدرت أصل الحق وجوهره، وهوت بذلك إلى درك المخالفة الدستورية).
وأوضحت هيئة المحكمة بعد ذلك أن القضاء المختص هو المرجع الوحيد الذى يمكن أن تلجأ إليه جهة الإدارة إذا كان لديها ما يثبت أن تظاهرة معينة قد تؤدى إلى أخطار، على أن تقدم (دلائل وبراهين ومعلومات موثقة تقتضى ذلك وتُبرَّره). والحق أن حيثيات الحكم تستحق أن تُقرأ كاملة بتمعن لما تحمله من قواعد دستورية، واستمتاع بلغتها الراقية التى نفتقد مثلها الآن فى معظم ما نقرأ ونسمع.