بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
بئس هذا الجمود الذى ما إن يصيب أحداً حتى يصبح صعباً عليه فهم الواقع كما هو. وكان جمود الطبقة السياسية الأمريكية أحد عوامل خسارة هيلارى كلينتون، على النحو الذى أوضحتُ بعض جوانبه فى «اجتهادات» يومى السبت والثلاثاء الماضيين.
غير أن صدمة كلينتون لم تؤد حتى الآن إلى وضع حد لهذا الجمود، أو إعادتها إلى الواقع الذى لم تستطع إدراكه وقراءة متغيراته جيدا. فبدلا من أن تفكر فى العوامل الموضوعية التى أدت إلى خسارتها، وأفاض محللون فى شرحها، صبت غضبها على مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف.بى.أى» جيمس كومى، واختزلت عوامل خسارتها فى إعلانه قبل أيام على الاقتراع اجراء تحقيق جديد فى رسائل إلكترونية جديدة خاصة بها الاقتراع. وقالت إن تصرفه هذا كبح جماح حملتها. ويعنى ذلك أنها مازالت عاجزة عن إدراك أن حملتها كانت خاسرة قبل أن يقوم كومى بعمله الذى يفرضه عليه واجبه. ولو كان استئنافه التحقيق فى رسائلها أحدث هذا تأثيرا سلبيا بالفعل، لكان إعلانه غلق هذا التحقيق بعد التأكد من سلامة موقفها قد أعاد حملتها إلى الصدارة التى لم تكن موجودة إلا فى خيالها. فقد صدر هذا الإعلان الذى أدى إلى تبرئة ساحتها قبل 24 ساعة تقريبا من توجه الناخبين إلى مراكز الاقتراع. ولذلك كان مفترضا أن يؤدى إلى تأثير ايجابى لمصلحتها. غير أن الأمر لم يكن كذلك فى انتخابات احتشد فيها الغاضبون على المؤسسة الأمريكية الجامدة والمغلقة، وبالتالى على كلينتون، ليحققوا من خلالها تغييرا. فقد كان التغيير هو الهدف، بغض النظر عما سيؤدى إليه. وهذا هو ما يترتب على الإحباط حين يبلغ ذروته. ولم تفهم كلينتون ذلك خلال الحملة الانتخابية رغم أن مؤشراته كانت قوية منذ أن واجهت صعوبة كبيرة فى التفوق على منافس من خارج المؤسسة الأمريكية فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى، وهو بيرنى ساندرز الذى التف حوله قطاع واسع من أعضاء هذا الحزب الراغبين فى التغيير.
ولم تقرأ التحولات التى حدثت فى التركيبة الاجتماعية، وجعلت الرغبة فى التغيير أقوى من أى وقت مضى. ولكن الأكثر إثارة للدهشة أن تظل عاجزة عن فهم هذا كله حتى اليوم.