بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
قليل جداً ما نعرفه عن بلدان المغرب العربى، ومحدودة للغاية تفاعلاتنا معها على مختلف المستويات. لم تكن الحال كذلك قبل عدة عقود، ليس فقط عندما لعبت مصر دورا مهما فى دعم الحركات الوطنية فى هذه البلدان، ولكن أيضاً حين كانت التفاعلات الثقافية والفكرية معها عميقة وثرية.
فجوة حدثت وازدادت بين الجناح الشرقى للعالم العربى عموما، وليس مصر فقط، وجناحه الغربى. ولذا لم يكن لنبأ رحيل المثقف والسياسى المغربى الكبير عبد الكريم غلاب قبل أيام أى صدى تقريباً، رغم أنه درس فى مصر وعاش فيها سنوات، بل بدأ نضاله السياسى الوطنى من أجل استقلال المغرب خلال وجوده فيها. فقد درس فى كلية الآداب بجامعة القاهرة (جامعة فؤاد الأول) فى أواخر الثلاثينيات، وأسس خلال فترة دراسته جمعية الطلبة العرب التى رأسها عبد الوهاب عزام، الذى صار أحد أبرز المثقفين والدبلوماسيين العرب فى تلك المرحلة.ومحزن حتما أن تتباعد المسافات بين بلداننا العربية، وأن تتضاءل الصلات بين مثقفيها ورموزها، إلى حد أن يصبح اسم عبد الكريم غلاب مجهولاً لكثير منهم فى مصر. كان هذا الاسم مألوفا لكثير من المصريين خلال وجوده فى القاهرة، وبعد أن غادرها، وهم الذين عرفوا قضية استقلال الغرب عن طريقه عندما أسس رابطة الدفاع عن مراكش عام 1943، وواصل نضاله الوطنى من خلال حزب الاستقلال، حيث كان عضواً فى لجنته التنفيذية ثم مجلسه الرئاسى.
ويعد كتابه (تاريخ الحركة الوطنية فى المغرب) من أهم المراجع التى توثق مرحلة بالغة الأهمية فى نضال الشعب المغربى من أجل التحرر والاستقلال0 فلم يكن غلاب مناضلا سياسيا فقط، ولا بالدرجة الأولى. كان مؤرخا وروائيا وكاتبا صحفيا كبيرا قبل كل شىء0 ومثل كثير من المثقفين العرب الذين تفتحت مواهبهم فى مصر، بدأ الكتابة فى مجلة »الرسالة« التى رأس تحريرها الأديب الكبير محمد حسن الزيات، وكتب فيها معظم رموز الأدب العربى.
وليس غلاب وحده الذى لم يعد معروفا لدينا. معظم رموز الثقافة والفكر فى المغرب أيضاً ليسوا معروفين. ولولا اهتمام مركز دراسات الوحدة العربية بأعمال بعضهم, وخاصة الراحل محمد عابد الجابرى، ما عُرفوا فى العالم العربى.